صفحة جزء
الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى

ولقد أجاب عليه الصلاة والسلام عن السؤال بجواب عبقري بديع ، حيث كشف عن حقيقة الحق حجابها مع أنه لم يخرج عما كان بصدده من بيان شئونه تعالى ، ثم تخلص إليه حيث قال بطريق الحكاية عن الله عز وجل لما سيأتي من الالتفات : الذي جعل لكم الأرض مهدا على أن الموصول إما مرفوع على المدح ، أو منصوب عليه ، أو خبر مبتدإ محذوف ، أي : جعلها لكم كالمهد تتمهدونها ، أو ذات مهد وهو مصدر سمي به المفعول ، وقرئ : "مهادا" ، وهو اسم لما يمهد كالفراش ، أو جمع مهد ، أي : جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم .

وسلك لكم فيها سبلا أي : حصل لكم طرقا ، ووسطها بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها .

وأنزل من السماء ماء هو المطر فأخرجنا به أي : بذلك الماء وهو عطف على أنزل ، داخل تحت الحكاية . وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة ، والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن تنقاد لأمره وتذعن لمشيئته الأشياء المختلفة ، كما في قوله تعالى : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها وقوله تعالى : أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة خلا أن ما قبل الالتفات هناك صريح كلامه تعالى ، وأما هاهنا فحكاية عنه تعالى . وجعل قوله تعالى : "فأخرجنا به" هو المحكي ،مع كون ما قبله كلام موسى عليه الصلاة والسلام خلاف الظاهر ، مع أنه يفوت حينئذ الالتفات لعدم اتحاد المتكلم .

أزواجا أصنافا ، سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض . من نبات بيان أو صفة لأزواجا ، أي : كائنة من نبات ، وكذا قوله تعالى : شتى أي : متفرقة ، جمع شتيت . ويجوز أن يكون صفة لنبات لما أنه في الأصل مصدر يستوي فيه الواحد والجمع ، يعني : أنها شتى مختلفة في الطعم والرائحة والشكل والنفع ، بعضها صالح للناس على اختلاف وجوه الصلاح ، وبعضها للبهائم ، فإن من تمام نعمته تعالى [ ص: 22 ] أن أرزاق عباده لما كان تحصلها بعمل الأنعام ، جعل علفها مما يفضل عن حاجاتهم ، ولا يليق بكونه طعاما لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية