صفحة جزء
وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى

وألق ما في يمينك أي : عصاك ، كما وقع في (سورة الأعراف ) ، وإما أوثر الإبهام تهويلا لأمرها ، وتفخيما لشأنها ، وإيذانا بأنها ليست من جنس العصي المعهودة المستتبعة للآثار المعتادة ، بل خارجة عن حدود سائر أفراد الجنس ، مبهمة الكنه ، مستتبعة لآثار غريبة ، وعدم مراعاة هذه النكتة عند حكاية الأمر في موضع آخر لا يستدعي عدم مراعاتها عند وقوع المحكي هذا ، وحمل الإبهام على التحقير بأن يراد لا تبال بكثرة حبالهم [ ص: 28 ] وعصيهم ، وألق العويد الذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمها ، يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين ، على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهي على هيئتها الأصلية ، وقد كان منها ما كان . وقوله تعالى تلقف ما صنعوا بالجزم جوابا للأمر من لقفه : إذا ابتلعه ، والتقمه بسرعة . والتأنيث لكون "ما" عبارة عن العصا ، أي : تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصي التي خيل إليك سعيها وخفتها . والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير ، والإيذان بالتمويه والتزوير . وقرئ "تلقف" بتشديد القاف ، وإسقاط إحدى التاءين من "تتلقف" . وقرئ بالرفع على الحال ، أو الاستئناف . والجملة الأمرية معطوفة على النهي متممة بما في حيزها ، لتعليل موجبه ببيان كيفية غلبته عليه الصلاة والسلام وعلوه ، فإن ابتلاع عصاه لأباطيلهم التي منها أوجس في نفسه ما أوجس مما يقلع مادته بالكلية . وهذا كما ترى صريح في أن خوفه عليه الصلاة والسلام لم يكن مما ذكر من مخالجة الشك للناس ، وعدم اتباعهم له عليه الصلاة والسلام ، وإلا لعلل بما يزيله من الوعد ، بما يوجب إيمانهم واتباعهم له عليه الصلاة والسلام .

وقوله تعالى : إنما صنعوا إلخ تعليل لقوله تعالى : "تلقف ما صنعوا" . و"ما" إما موصولة ، أو موصوفة ، أي : إن الذي صنعوه أو إن شيئا صنعوه كيد ساحر بالرفع على أنه خبر ، لأن أي كيد جنس الساحر ، وتنكيره للتوسل به إلى تنكير ما أضيف إليه للتحقير . وقرئ بالنصب على أنه مفعول "صنعوا" و"ما" كافة . وقرئ : "كيد سحر" على أن الإضافة للبيان ، كما في "علم فقة "، أو على معنى : ذي سحر ، أو على تسمية الساحر سحرا مبالغة .

وقوله تعالى : ولا يفلح الساحر أي : هذا الجنس حيث أتى أي : حيث كان ، وأين أقبل من تمام التعليل ، وعدم التعرض لشأن العصا ، وكونها معجزة إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية