صفحة جزء
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى

وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه حكاية لبعض أقاويلهم الباطلة التي أمر صلى الله عليه وسلم بالصبر عليها ، أي : هلا يأتينا بآية تدل على صدقه في دعوى النبوة أو آية مما اقترحوها بلغوا من المكابرة والعناد إلى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات التي تخر لها صم الجبال من قبيل الآيات حتى اجترءوا على التفوه بهذه العظيمة الشنعاء .

وقوله تعالى : أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى أي : التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية . رد من جهته عز وعلا لمقالتهم القبيحة وتكذيب لهم دسوا تحتها من انكار إتيان الآية بإتيان القرآن الكريم الذي هو أم الآيات وأس المعجزات وأعظمها فيها وأبقاها ، لأن حقيقة المعجزة اختصاص مدعي النبوة بنوع من الأمور الخارقة للعادات أي أمر كان ، ولا ريب في أن العلم أجل الأمور وأعلاها إذ هو أصل الأعمال ومبدأ الأفعال ، ولقد ظهر مع حيازته لجميع علوم الأولين والآخرين على يد أمي لم يمارس شيئا من العلوم ولم يدارس أحدا من أهلها أصلا ، فأي معجزة تراد بعد وروده ، وأي آية ترام مع وجوده وفي إيراده بعنوان كونه بينة لما في الصحف الأولى من التوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية ، أي : شاهدا بحقيقة ما فيها من العقائد الحقة وأصول الأحكام التي أجمعت عليها كافة الرسل ، وبصحة ما تنطق به من أنباء الأمم من حيث أنه غني بإعجازه عما يشهد بحقيته حقيق بإثبات حقية غيره ما لا يخفى من تنويه شأنه وإنارة برهانه ومزيد تقرير وتحقيق لإتيانه وإسناد الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتيا به للتنبيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبينة ، والهمزة لإنكار الوقوع ، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، كأنه قيل : ألم تأتهم سائر الآيات ولم تأتهم خاصة بينة ما في الصحف الأولى ، تقريرا لإتيانه وإيذانا بأنه من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكاره أصلا وإن اجترءوا على إنكار سائر الآيات مكابرة وعنادا . وقرئ : "أولم يأتهم" بالياء التحتانية . وقرئ : "الصحف" بالسكون تخفيفا .

التالي السابق


الخدمات العلمية