صفحة جزء
وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين

وما جعلناهم جسدا بيان لكون الرسل عليهم السلام أسوة لسائر أفراد الجنس في أحكام الطبيعة البشرية إثر بيان كونهم أسوة لهم في نفس البشرية والجسد جسم الإنسان والجن والملائكة ، ونصبه إما على أنه مفعول ثان للجعل لكن لا بمعنى جعله جسدا بعد أن لم يكن كذلك كما هو المشهور من معنى التصبير بل بمعنى جعله كذلك ابتداء على طريقة قولهم : "سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل" ، كما مر في قوله تعالى : وجعلنا آية النهار مبصرة ، وإما حال من الضمير . والجعل إبداعي ، وإفراده لإرادة الجنس المنتظم للكثير أيضا ، وقيل : بتقدير المضاف ، أي : ذوي جسد . وقوله تعالى : لا يأكلون الطعام صفة له ، أي : وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الأكل والشرب ، بل محتاجا إلى ذلك لتحصيل بدل ما يتحلل منه .

وما كانوا خالدين لأن مآل التحلل هو الفناء لا محالة . وفي إيثار "ما كانوا" على "ما جعلناهم" تنبيه على أن عدم الخلود مقتضي جبلتهم التي أشير إليها بقوله تعالى : "وما جعلناهم .." إلخ. لا بالجعل المستأنف ، والمراد بالخلود : أما المكث المديد كما هو شأن الملائكة ، أو الأبدية وهم معتقدون أنهم لا يموتون ، والمعنى : جعلناهم أجسادا متغذية صائرة إلى الموت بالآخرة على حسب آجالهم ، لا ملائكة ولا أجسادا مستغنية عن الأغذية مصونة عن التحلل كالملائكة فلم يكن لها خلود كخلودهم . فالجملة مقررة لما قبلها من كون الرسل السالفة عليهم السلام بشرا لا ملكا مع ما في ذلك من الرد على قولهم : مال هذا الرسول يأكل الطعام

التالي السابق


الخدمات العلمية