صفحة جزء
يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد

وقوله تعالى : يوم ترونها منتصب بما بعده قدم عليه اهتماما به ، والضمير للزلزلة ، أي : وقت رؤيتكم إياها ومشاهدتكم لهول مطلعها .

تذهل كل مرضعة أي : مباشرة للإرضاع عما أرضعت أي : تغفل مع دهشة عما هي بصدد [ ص: 92 ] إرضاعه من طفلها الذي ألقمته ثديها ، والتعبير عنه بما دون "من" لتأكيد الذهول وكونه بحيث لا يخطر ببالها أنه ماذا لا أنها تعرف شيئته ، لكن لا تدري من هو بخصوصه . وقيل : "ما" مصدرية ، أي : تذهل عن إرضاعها ، والأول أدل على شدة الهول وكمال الانزعاج . وقرئ : "تذهل" من الإذهال مبنيا للمفعول أو مبنيا للفاعل مع نصب "كل" ، أي : تذهلها الزلزلة .

وتضع كل ذات حمل حملها أي : تلقى جنينها لغير تمام كما أن المرضعة تذهل عن ولدها لغير فطام ، وهذا ظاهر على قول علقمة والشعبي . وأما على ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد قيل : إنه تمثيل لتهويل الأمر ، وفيه أن الأمر حينئذ أشد من ذلك وأعظم وأهول مما وصف وأطم . وقيل : إن ذلك يكون عند النفخة الثانية ، فإنهم يقومون على ما صعقوا في النفخة الأولى ، فتقوم المرضعة على إرضاعها والحامل على حملها ، ولا ريب في أن قيام الناس من قبورهم بعد النفخة الثانية لا قبلها حتى يتصور ما ذكر .

وترى الناس بفتح التاء والراء على خطاب كل أحد من المخاطبين برؤية الزلزلة ، والاختلاف بالجمعية والإفراد لما أن المرئي في الأول هي الزلزلة التي يشاهدها الجميع ، وفي الثاني حال من عدا المخاطب منهم فلا بد من افراد المخاطب على وجه يعم كل واحد منهم ، لكن من غير اعتبار اتصافه بتلك الحالة فإن المراد بيان تأثير الزلزلة في المرئي لا في الرائي باختلاف مشاعره لأن مداره حيثية رؤيته للزلزلة لا لغيرها ، كأنه قيل : ويصير الناس سكارى .. إلخ ، وإنما أوثر عليه ما في التنـزيل للإيذان بكمال ظهور تلك الحالة فيهم وبلوغها من الجلاء إلى حد لا يكاد يخفى على أحد ، أي : يراهم كل أحد .

سكارى أي : كأنهم سكارى وما هم بسكارى حقيقة ولكن عذاب الله شديد فيرهقهم هوله ويطير عقولهم ويسلب تمييزهم فهو الذي جعلهم كما وصفوا . وقرئ : "ترى" بضم التاء وفتح الراء مسندا إلى المخاطب من أريتك قائما أو رؤيتك قائما والناس منصوب ، أي : تظنهم سكارى . وقرئ برفع الناس على إسناد الفعل المجهول إليه والتأنيث على تأويل الجماعة . وقرئ "ترى" بضم التاء وكسر الراء ، أي : تري الزلزلة الخلق جميع الناس سكارى ، وقرئ : "سكرى" و "سكرى" كعطشى وجوعى إجراء للسكر مجرى العلل .

التالي السابق


الخدمات العلمية