صفحة جزء
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

أفلم يسيروا في الأرض حث لهم أن يسافروا ليروا مصارع المهلكين فيعتبروا وهم وإن كانوا قد سافروا فيها ولكنهم حيث لم يسافروا للاعتبار جعلوا غير مسافرين فحثوا على ذلك ، والفاء لعطف ما بعدها على مقدر يقتضيه المقام ، أي : أغفلوا فلم يسيروا فيها .

فتكون لهم بسبب ما شاهدوه من مواد الاعتبار ومظان الاستبصار قلوب يعقلون بها ما يجب أن يعقل من التوحيد أو آذان يسمعون بها ما يجب أن يسمع من الوحي أو من أخبار الأمم المهلكة ممن يجاورهم من الناس فإنهم أعرف منهم بحالهم . فإنها لا تعمى الأبصار الضمير للقصة ، أو مبهم يفسره الأبصار . وفي "تعمى" ضمير راجع إليه وقد أقيم الظاهر مقامه .

ولكن تعمى القلوب التي في الصدور أي : ليس الخلل في مشاعرهم وإنما هو في عقولهم باتباع الهوى والانهماك في الغفلة ، وذكر الصدور للتأكيد ونفي توهم التجوز . وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يختص بالبصر . قيل : لما نزل قوله تعالى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى قال ابن أم مكتوم : يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى ؟ فنزلت .

التالي السابق


الخدمات العلمية