صفحة جزء
ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم

ولا يزال الذين كفروا في مرية أي : في شك وجدال منه أي : من القرآن ، وقيل : من الرسول صلى الله عليه وسلم ، والأول هو الأظهر بشهادة ما سبق من قوله تعالى : "ثم يحكم الله آياته" وقوله تعالى : "أنه الحق من ربك فيؤمنوا به" وما لحق من قوله تعالى : وكذبوا بآياتنا . وأما تجويز كون الضمير [ ص: 115 ] "لما ألقى الشيطان في أمنيته" فمما لا مساغ له ، لأن ذلك ليس من هناتهم التي تستمر إلى الأمد المذكور ، بل إنما هي مريتهم في شأن القرآن ولا يجدي حمل من على السببية دون الابتدائية لما أن مريتهم المستمرة ، كما أنها ليست مبتدأة من ذلك ليست ماشئة منه ضرورة أنها مستمرة منهم من لدن نزول القرآن الكريم .

حتى تأتيهم الساعة أي : القيامة نفسها ، كما يؤذن به قوله تعالى : بغتة أي : فجاءة فإنها الموصوفة بالإتيان كذلك لا أشراطها ، وقيل : الموت . أو يأتيهم عذاب يوم عقيم أي : يوم لا يوم بعده ، كأن كل يوم يلد ما بعده من الأيام فما لا يوم بعده يكون عقيما ، والمراد به : الساعة أيضا ، كأنه قيل : أو يأتيهم عذابها فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل ولا سبيل إلى حمل الساعة على أشراطها لما عرفته ، وأما ما قيل من أن المراد : يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر سمي به لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن ، أو لأن المقاتلين أبناء الحرب فإذا قتلوا صارت عقيما ، أي : ثكلى ، فوصف اليوم بوصفها اتساعا أو لأنه لا خير لهم فيه ، ومنه الريح العقيم لما لم ينشئ مطرا ولم يلقح شجرا ، أو لأنه لا مثل له لقتال الملائكة عليهم السلام فيه فمما لا يساعده سياق النظم الكريم أصلا ، كيف لا وإن تخصيص الملك والتصرف الكلي فيه بالله عز وجل ثم بيان ما يقع فيه من حكمه تعالى بين الفريقين بالثواب والعذاب الأخرويين يقضي بأن المراد به : يوم القيامة قضاء بينا لا ريب فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية