صفحة جزء
لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم

لكل أمة كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه صلى الله عليه وسلم من أهل الأديان السماوية عن منازعته صلى الله عليه وسلم ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر ، أي : لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية جعلنا أي : وضعنا وعينا منسكا أي : شريعة خاصة لا لأمة أخرى منهم ، على معنى : عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا .

وقوله تعالى : هم ناسكوه صفة لمنسكا مؤكدة للقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور على الفعل ، والضمير "لكل أمة" باعتبار خصومها ، أي : تلك الأمة المعينة ناسكوه والعاملون به لا أمة أخرى ، فالأمة التي كانت من مبعث موسى عليه السلام إلى مبعث عيسى عليه السلام منسكهم التوراة هم ناسكوها والعاملون بها لا غيرهم ، والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منسكهم الإنجيل هم ناسكوه والعاملون به لا غيرهم ، وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم الفرقان ليس إلا كما مر في تفسير قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا .

والفاء في قوله تعالى : فلا ينازعنك في الأمر لترتيب إلهي أو موجبه على ما قبلها ، فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتهم هذه الأمة شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها موجب لطاعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم الأولين من التوراة والإنجيل فإنهما شريعتان لمن مضى من الأمم قبل انتساخهما ، وهؤلاء أمة مستقلة منسكهم القرآن المجيد فحسب . والنهي إما على حقيقته ، أو كليته عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى نزاعهم للنبي على زعمهم المذكور . وأما جعله عبارة عن نهيه صلى الله عليه وسلم [ ص: 119 ] عن منازعتهم فلا يساعده المقام . وقرئ "فلا ينـزعنك" على تهييجه صلى الله عليه وسلم ، والمبالغة في تثبيته ، وأيا ما كان فمحل النزاع ما ذكرناه وتخصيصه بأمر النسائك وجعله عبارة عن قول الخزاعيين وغيرهم للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلوا ما قتله الله تعالى مما لا سبيل إليه أصلا كيف لا وأنه يستدعي أن يكون أكل الميتة وسائر ما يدينونه من الأباطيل من جملة المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم ولا يرتاب في بطلانه عاقل .

وادع أي : وادعهم ، أو وادع الناس كافة على أنهم داخلون فيهم دخولا أوليا إلى ربك إلى توحيده وعبادته حسبما بين لهم في منسكهم وشريعتهم .

إنك لعلى هدى مستقيم أي : طريق موصل إلى الحق سوي . والمراد به : إما الدين والشريعة ، أو أدلتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية