صفحة جزء
[ ص: 118 ] إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا

إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها لما بين عظم شأن طاعة الله ورسوله ببيان مآل الخارجين عنها من العذاب الأليم، ومنال المراعين لها من الفوز العظيم، عقب ذلك ببيان عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية، وصعوبة أمرها بطريق التمثيل، مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام، وعبر عنها بالأمانة تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين، وائتمنهم عليها، وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد، وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها، وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها، وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى استعداد ما ذكر من السموات وغيرها بالعرض عليها لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها، والرغبة في قبولهن لها، وعن عدم استعدادهن لقبولها بالإباء والإشفاق منها لتهويل أمرها وتربية فخامتها، وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية التي أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة. والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها، وكانت ذات شعور وإدراك لأبين قبولها، وأشفقن منها. ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه.

وحملها الإنسان أي: عند عرضها عليه إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده، أو بتكليفه إياها يوم الميثاق، أي: تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية، ورخاوة القوة، وهو إما عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطري، أو عن اعترافه بقوله: "بلى" وقوله تعالى: إنه كان ظلوما جهولا اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما عهده وتحمله، أي: إنه كان مفرطا في الظلم مبالغا في الجهل، أي: بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة، أو اعترافهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تبديلا، وإلى الفريق الأول أشير بقوله تعالى:

التالي السابق


الخدمات العلمية