صفحة جزء
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما

وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله كلام مبتدأ جيء به تمهيدا لبيان خطئهم في الاشتغال بستر جنايتهم بالاعتذار بالأباطيل وعدم تلافيها بالتوبة أي: وما أرسلنا رسولا من الرسل لشيء من الأشياء إلا ليطاع بسبب إذنه تعالى في طاعته وأمره المرسل إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه لأنه مؤد عنه تعالى فطاعته طاعة الله تعالى ومعصيته معصيته تعالى: من يطع الرسول فقد أطاع الله ، أو بتيسير الله تعالى وتوفيقه في طاعته. ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم وعرضوها لعذاب على عذاب النفاق بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك. جاءوك من غير تأخير كما يفصح عنه تقديم الظرف متوسلين بك في التنصل عن جنايتهم القديمة والحادثة ولم يزدادوا جناية على جناية بالقصد إلى سترها [ ص: 197 ] بالاعتذار الباطل والإيمان الفاجر. فاستغفروا الله بالتوبة والإخلاص وبالغوا في التضرع إليك حتى انتصبت شفيعا لهم إلى الله تعالى واستغفرت لهم، وإنما قيل: واستغفر لهم الرسول على طريقة الالتفات تفخيما لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وتنبيها على أن شفاعته في حيز القبول. لوجدوا الله توابا رحيما لعلموه مبالغا في قبول توبتهم والتفضل عليهم بالرحمة وإن فسر الوجدان بالمصادفة كان قوله تعالى: توابا حالا و رحيما بدلا منه أو حالا من الضمير فيه. وأيا ما كان; ففيه فضل ترغيب للسامعين في المسارعة إلى التوبة والاستغفار ومزيد تنديم لأولئك المنافقين على ما صنعوا لما أن ظهور تباشير قبول التوبة وحصول الرحمة لهم ومشاهدتهم لآثارهما نعمة زائدة عليهما موجبة لكمال الرغبة في تحصيلها وتمام الحسرة على فواتها.

التالي السابق


الخدمات العلمية