صفحة جزء
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة

وقوله تعالى: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ...إلخ، كلام مسوق لغاية تشنيع أهل الكتاب خاصة، وتغليظ جناياتهم ببيان أن ما نسب إليهم من الأنفكاك لم يكن لاشتباه ما في الأمر؛ بل كان بعد وضوح الحق وتبين الحال وانقطاع الأعذار بالكلية، وهو السر في وصفهم بإيتاء الكتاب المنبئ عن كمال تمكنهم من مطالعته والإحاطة بما في تضاعيفه من الأحكام والأخبار التي من جملتها نعوت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكرهم فيما سبق بما هو جار مجرى اسم الجنس للطائفتين، ولما كان هؤلاء والمشركون باعتبار اتفاقهم على الرأي المذكور في حكم فريق واحد، عبر عما صدر عنهم عقيب الأتفاق عند الإخبار بوقوعه بالأنفكاك، وعند بيان كيفية وقوعه بالتفرق اعتبارا لاستقلال كل من فريقي أهل الكتاب، وإيذانا بأن انفكاكهم عن الرأي المذكور ليس بطريق الأتفاق على رأي آخر؛ بل بطريق الأختلاف القديم، وقوله تعالى: إلا من بعد ما جاءتهم البينة استثناء مفرغ من أعم الأوقات أي: وما تفرقوا في وقت من الأوقات إلا من بعد ما جاءتهم الحجة الواضحة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموعود في كتابهم دلالة جلية لا ريب فيها، كقوله تعالى: وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية