صفحة جزء
لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين

ثم صرح بتقواه على وجه يستدعي سكون غيظه لو كان له عقل وازع ، حيث قال بطريق التوكيد : لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك حيث صدر الشرطية باللام الموطئة للقسم ، وقدم الجار والمجرور على المفعول الصريح إيذانا من أول الأمر برجوع ضرر البسط وغائلته إليه ، ولم يجعل جواب القسم الساد مسد جواب الشرط جملة فعلية موافقة لما في الشرط ، بل اسمية مصدرة بما الحجازية المفيدة لتأكيد النفي بما في خبرها من الباء ; للمبالغة في إظهار براءته عن بسط اليد ببيان استمراره على نفي البسط ، كما في قوله تعالى : وما هم بمؤمنين ، وقوله : وما هم بخارجين منها ، فإن الجملة الاسمية الإيجابية كما تدل بمعونة المقام على دوام الثبوت ، كذلك السلبية تدل بمعونته على دوام الانتفاء لا على انتفاء الدوام ، وذلك باعتبار الدوام والاستمرار بعد اعتبار النفي لا قبله ، حتى يرد النفي على المقيد بالدوام فيرفع قيده ; أي : والله لئن باشرت قتلي حسبما أوعدتني به ، وتحقق ذلك منك ، ما أنا بفاعل مثله لك في وقت من الأوقات .

ثم علل ذلك بقوله : إني أخاف الله رب العالمين وفيه من إرشاد قابيل إلى خشية الله تعالى على أبلغ وجه وآكده ما لا يخفى ، كأنه قال : إني أخافه تعالى إن بسطت يدي إليك لأقتلك أن يعاقبني ، وإن كان ذلك مني لدفع عداوتك عني ، فما ظنك بحالك وأنت البادي العادي . وفي وصفه تعالى بربوبية العالمين تأكيد للخوف .

قيل : كان هابيل أقوى منه ، ولكن تحرج عن قتله واستسلم خوفا من الله تعالى ; لأن القتل للدفع لم يكن مباحا حينئذ . وقيل : تحريا لما هو الأفضل حسبما قال عليه السلام : " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " ، ويأباه التعليل بخوفه تعالى ، إلا أن يدعى أن ترك الأولى عنده بمنزلة المعصية في استتباع الغائلة مبالغة في التنزه .

التالي السابق


الخدمات العلمية