صفحة جزء
وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون

وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه أمر مبتدأ لهم بأن يحكموا ويعملوا بما فيه من الأمور التي من جملتها دلائل رسالته عليه الصلاة [ ص: 44 ] والسلام ، وشواهد نبوته ، وما قررته الشريعة الشريفة من أحكامه ، وأما أحكامه المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله فيه ، بل هو إبطال وتعطيل له ; إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها ; لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة بنسخها ، وبأن أحكامه ما قررته تلك الشريعة التي شهد بصحتها ، كما سيأتي في قوله تعالى : يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل الآية .

وقيل : هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على " آتيناه " ; أي : وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ... إلخ . وقرئ : ( وأن ليحكم ) على أن ( أن ) موصولة بالأمر ، كما في قولك : أمرته بأن قم ، كأنه قيل : وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل ... إلخ . وقرئ على صيغة المضارع ، ولام التعليل على أنها متعلقة بمقدر ، كأنه قيل : وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه . وقد عطف على " هدى وموعظة " على أنهما مفعول لهما ، كأنه قيل : وللهدى والموعظة آتيناه إياه وللحكم بما أنزل الله فيه .

ومن لم يحكم بما أنزل الله منكرا له مستهينا به .

فأولئك هم الفاسقون المتمردون الخارجون عن الإيمان . والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ، ومؤكد لوجوب الامتثال بالأمر ، وفيه دلالة على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام ، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلا بالشرع ، مأمورا بالعمل بما فيه من الأحكام ، قلت أو كثرت ، لا بما في التوراة خاصة . وحمله على معنى : وليحكم بما أنزل الله فيه ، من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية