صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين

يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ; أي : ما طاب ولذ منه ، كأنه لما تضمن ما سلف من مدح النصارى على الترهب ، ترغيب المؤمنين في كسر النفس ورفض الشهوات ، عقب ذلك بالنهي عن الإفراط في الباب ; أي : لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم ، أو لا تقولوا : حرمناها على أنفسنا ، مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدا منكم وتقشفا .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة لأصحابه يوما ، فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار ، فرقوا واجتمعوا في بيت [ ص: 74 ] عثمان بن مظعون ، واتفقوا على أن لا يزالوا صائمين قائمين ، وأن لا يناموا على الفرش ، ولا يأكلوا اللحم والودك ، ولا يقربوا النساء والطيب ، ويرفضوا الدنيا ويلبسوا المسوح ، ويسيحوا في الأرض ويجبوا مذاكيرهم ; فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : " إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآكل اللحم والدسم ، وآتي النساء ; فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، فنزلت .

ولا تعتدوا ; أي : ولا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ، أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات ، أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلما ، فنهى عن مطلق الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها دخولا أوليا لوروده عقيبه ، أو أريد : ولا تعتدوا بذلك .

إن الله لا يحب المعتدين تعليل لما قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية