صفحة جزء
ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين

ذلك كلام مستأنف سيق لبيان أن ما ذكر مستتبع للمنافع ، وارد على مقتضى الحكمة والمصلحة ; أي : الحكم الذي تقدم تفصيله .

أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ; أي : أقرب إلى أن يؤدي الشهود الشهادة على وجهها الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة ، خوفا من العذاب الأخروي ، وهذه كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور .

وقوله تعالى : أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام ، كأنه قيل : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة ، أو يخافوا الافتضاح على رءوس الأشهاد بإبطال أيمانهم والعمل بأيمان الورثة ، فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه ، فأي الخوفين وقع حصل المقصد الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها .

وقيل : هو عطف على " يأتوا " على معنى : أن ذلك أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ، أو إلى أن يخافوا الافتضاح برد اليمين على الورثة ، فلا يحلفوا على موجب شهادتهم إن لم يأتوا بها على وجهها ، فيظهر كذبهم بنكولهم .

وأما ما قيل : من أن المعنى : أن ذلك أقرب إلى أحد الأمرين اللذين أيهما وقع كان فيه الصلاح : أداء الشهادة على الصدق ، والامتناع عن أدائها على الكذب ; فيأباه المقام ; إذ لا تعلق له بالحادثة أصلا ، ضرورة أن الشاهد مضطر فيها إلى الجواب ، فالامتناع عن الشهادة الكاذبة مستلزم للإتيان بالصادقة قطعا ، فليس هناك أمران أيهما وقع كان فيه الصلاح ، حتى يتوسط بينهما كلمة أو ، وإنما يتأتى ذلك في شهود لم يتهموا بخيانة على أن إضافة الامتناع عن الشهادة الكاذبة إلى خوف رد اليمين على الورثة ، ونسبة الإتيان بالصادقة إلى غيره مع أن ما يقتضي أحدهما يقتضي الآخر لا محالة تحكم بحت ; فتأمل .

واتقوا الله في مخالفة أحكامه التي من جملتها هذا الحكم .

واسمعوا ما تؤمرون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول .

والله لا يهدي القوم الفاسقين الخارجين عن الطاعة ; أي : فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين ، والله لا يهدي القوم الفاسقين ; أي : إلى طريق الجنة ، أو إلى ما فيه نفعهم . [ ص: 93 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية