صفحة جزء
أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون

أو تقولوا عطف على تقولوا ، وقرئ كلاهما بالياء على الالتفات من خطاب فاتبعوه واتقوا .

لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل عليهم .

لكنا أهدى منهم إلى الحق الذي هو المقصد الأقصى ، أو إلى ما في تضاعيفه من جلائل الأحكام والشرائع ودقائقها ، لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا ; ولذلك تلقفنا من فنون العلم كالقصص والأخبار ، والخطب والأشعار ، ونحو ذلك طرفا صالحا ونحن أميون .

وقوله تعالى : فقد جاءكم متعلق بمحذوف ينبئ عنه الفاء الفصيحة ; إما معلل به ; أي : لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم ... إلخ ، وإما شرط له ; أي : إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم ، من كونكم أهدى من الطائفتين على تقدير نزول الكتاب عليكم ، فقد حصل ما فرضتم وجاءكم .

بينة وأي بينة ; أي : حجة واضحة لا يكتنه كنهها .

وقوله تعالى : من ربكم متعلق بجاءكم ، أو بمحذوف هو صفة لبينة ، أي بينة كائنة منه تعالى ، وأيا ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافي ، كما أن في تنوينها التفخيمي دلالة على فضلها الذاتي .

وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم مزيد تأكيد لإيجاب الاتباع .

وهدى ورحمة عطف على بينة ، وتنوينهما أيضا تفخيمي ، عبر عن القرآن بالبينة إيذانا بكمال تمكنهم من دراسته ، ثم بالهدى والرحمة تنبيها على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم ، بل هو عين الهداية والرحمة .

فمن أظلم الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فإن مجيء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه ; أي : وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم .

ممن كذب بآيات الله وضع الموصول موضع ضميرهم بطريق الالتفات ، تنصيصا على اتصافهم بما في حيز الصلة ، وإشعارا بعلة الحكم ، وإسقاطا لهم عن رتبة الخطاب ، وعبر عما جاءهم بآيات الله تهويلا للأمر ، وتنبيها على أن تكذيب أي آية كانت من آيات الله تعالى كاف في الأظلمية ، فما ظنك بتكذيب القرآن المنطوي على الكل .

والمعنى : إنكار أن يكون أحد أظلم ممن فعل ذلك ، أو مساويا له ، وإن لم يكن سبك التركيب متعرضا لإنكار المساواة ونفيها ، فإذا قيل : من أكرم من فلان ، أو لا أفضل منه ; فالمراد به حتما بحكم العرف الفاشي ، والاستعمال المطرد أنه أكرم من كل كريم ، وأفضل من كل فاضل ، وقد مر مرارا .

وصدف عنها [ ص: 203 ] ; أي : صرف الناس عنها ، فجمع بين الضلال والإضلال .

سنجزي الذين يصدفون الناس .

عن آياتنا وعيد لهم ببيان جزاء إضلالهم ، بحيث يفهم منه جزاء ضلالهم أيضا ، ووضع الموصول موضع المضمر لتحقيق مناط الجزاء .

سوء العذاب ; أي : العذاب السيء الشديد النكاية .

بما كانوا يصدفون ; أي : بسبب ما كانوا يفعلون الصدف والصرف على التجدد والاستمرار ، وهذا تصريح بما أشعر به إجراء الحكم على الموصول من علية ما في حيز الصلة له .

التالي السابق


الخدمات العلمية