صفحة جزء
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون

اتبعوا ما أنزل إليكم كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين بطريق التلوين ، وأمروا باتباع ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبله بتبليغه بطريق الإنذار والتذكير ، وجعله منزلا إليهم بواسطة إنزاله إليه عليه الصلاة والسلام ، إثر ذكر ما يصححه من الإنذار والتذكير لتأكيد وجوب اتباعه .

وقوله تعالى : [ ص: 211 ] من ربكم متعلق بأنزل ، على أن من لابتداء الغاية مجازا ، أو بمحذوف وقع حالا من الموصول ، أو من ضميره في الصلة ، وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين مزيد لطف بهم ، وترغيب لهم في الامتثال بما أمروا به ، وتأكيد لوجوبه .

وجعل ما أنزل ههنا عاما للسنة القولية والفعلية بعيد ، نعم يعمهما حكمه بطريق الدلالة لا بطريق العبارة .

ولما كان اتباع ما أنزله الله تعالى اتباعا له تعالى ، عقب الأمر بذلك بالنهي عن اتباع غيره تعالى ; فقيل : ولا تتبعوا من دونه ; أي : من دون ربكم الذي أنزل إليكم ما يهديكم إلى الحق ، ومحله النصب على أنه حال من فافعل فعل النهي ; أي : لا تتبعوا متجاوزين الله تعالى .

أولياء من الجن والإنس بأن تقبلوا منهم ما يلقونه إليكم بطريق الوسوسة والإغواء من الأباطيل ، ليضلوكم عن الحق ويحملوكم على البدع والأهواء الزائغة .

أو من أولياء قدم عليه لكونه نكرة ; إذ لو أخر عنه لكان صفة له ; أي : أولياء كائنة غيره تعالى . وقيل : الضمير للموصول على حذف المضاف في أولياء ; أي : ولا تتبعوا من دون ما أنزل أباطيل أولياء ، كأنه قيل : ولا تتبعوا من دون دين ربكم دين أولياء ، وقرئ : ( ولا تبتغوا ) ، كما في قوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا .

وقوله تعالى : قليلا ما تذكرون بحذف إحدى التاءين وتخفيف الذال ، وقرئ بتشديدها على إدغام التاء المهموسة في الذال المجهورة ، وقرئ : ( يتذكرون ) على صيغة الغيبة .

و" قليلا " نصب إما بما بعده على أنه نعت لمصدر محذوف مقدم للقصر ، أو لزمان كذلك محذوف ، و" ما " مزيدة لتأكيد القلة ; أي : تذكرا قليلا ، أو زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا ، حيث لا تتأثرون بذلك ، ولا تعملون بموجبه ، وتتركون دين الله تعالى ، وتتبعون غيره .

ويجوز أن يراد بالقلة : العدم ، كما قيل في قوله تعالى : فقليلا ما يؤمنون ، والجملة اعتراض تذييلي مسوق لتقبيح حال المخاطبين ، والالتفات على القراءة الأخيرة للإيذان باقتضاء سوء حالهم في عدم الامتثال بالأمر والنهي صرف الخطاب عنهم ، وحكاية جناياتهم لغيرهم بطريق المبالغة ، وإما نصب على أنه حال من فاعل " لا تتبعوا " ، و" ما " مصدرية مرتفعة به ; أي : لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكركم ، لكن لا على توجيه النهي إلى المقيد فقط ، كما في قوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، بل إلى المقيد والقيد جميعا ، وتخصيصه بالذكر لمزيد تقبيح حالهم بجمعهم بين المنكرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية