صفحة جزء
تفسير سورة النمل

وهي مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم

(1) ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن، ويشير إليه إشارة دالة على التعظيم، فقال: تلك آيات القرآن وكتاب مبين أي: هي أعلى الآيات وأقوى البينات [ ص: 1240 ] وأوضح الدلالات وأبينها على أجل المطالب وأفضل المقاصد، وخير الأعمال، وأزكى الأخلاق، آيات تدل على الأخبار الصادقة، والأوامر الحسنة، والنهي عن كل عمل وخيم، وخلق ذميم، آيات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة مبلغ الشمس للأبصار، آيات دلت على الإيمان، ودعت للوصول إلى الإيقان، وأخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة على طبق ما كان ويكون، آيات دعت إلى معرفة الرب العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الكاملة، آيات عرفتنا برسله وأوليائه، ووصفتهم حتى كأننا ننظر إليهم بأبصارنا. (2) ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين، ولم يهتد بها جميع المعاندين؛ صونا لها عن من لا خير فيه ولا صلاح ولا زكاء في قلبه، وإنما اهتدى بها من خصهم الله بالإيمان واستنارت بذلك قلوبهم وصفت سرائرهم، فلهذا قال: هدى وبشرى للمؤمنين أي: تهديهم إلى سلوك الصراط المستقيم، وتبين لهم ما ينبغي أن يسلكوه أو يتركوه، وتبشرهم بثواب الله المرتب على الهداية لهذا الطريق.

(3) ربما قيل: لعله يكثر مدعو الإيمان، فهل يقبل من كل أحد ادعى أنه مؤمن ذلك؟ أم لا بد لذلك من دليل؟ وهو الحق، فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين، فقال: الذين يقيمون الصلاة فرضها ونفلها، فيأتون بأفعالها الظاهرة، من أركانها وشروطها وواجباتها بل ومستحباتها، وأفعالها الباطنة، وهو الخشوع الذي هو روحها ولبها، باستحضار قرب الله، وتدبر ما يقول المصلي ويفعله، ويؤتون الزكاة المفروضة لمستحقيها، وهم بالآخرة هم يوقنون أي: قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الواصل إلى القلب الداعي إلى العمل، ويقينهم بالآخرة يقتضي كمال سعيهم لها، وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب، وهذا أصل كل خير.

(4) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ويكذبون بها ويكذبون من جاء بإثباتها زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون حائرين مترددين مؤثرين سخط الله على رضاه، قد انقلبت عليهم الحقائق، فرأوا الباطل حقا والحق باطلا.

(5) أولئك الذين لهم سوء العذاب أي: أشده وأسوؤه وأعظمه، وهم في الآخرة هم الأخسرون حصر الخسار فيهم؛ لكونهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وخسروا الإيمان الذي دعتهم إليه الرسل.

[ ص: 1241 ] (6) وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم أي: وإن هذا القرآن الذي ينزل عليك وتتلقنه ينزل من عند حكيم يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، عليم بأسرار الأحوال وبواطنها كظواهرها، وإذا كان من عند حكيم عليم علم أنه كله حكمة ومصالح للعباد، من الذي هو أعلم بمصالحهم منهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية