صفحة جزء
قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

أي: قل مناديا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرا لهم بأفضل الأوامر، وهي التقوى، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية الله لهم وإنعامه عليهم، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما من الله عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى، كما تقول: أيها الكريم تصدق، وأيها الشجاع قاتل.

وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال: للذين أحسنوا في هذه الدنيا بعبادة ربهم حسنة ورزق واسع، ونفس مطمئنة، وقلب منشرح، كما قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة

وأرض الله واسعة إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم.

ولما قال: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك، دفع هذا الظن بقوله: وأرض الله واسعة وهنا بشارة نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك " تشير إليه هذه الآية، وترمي [ ص: 1512 ] إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان، فلا بد أن يكون لكل مهاجر، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه.

إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد الله الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند الله، وأنه معين على كل الأمور.

التالي السابق


الخدمات العلمية