صفحة جزء
ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون

لما خوفهم تعالى من عظمته، خوفهم بأحوال يوم القيامة، ورغبهم ورهبهم فقال: ونفخ في الصور وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه الله على علمه من خلقه، فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن.

فصعق أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين: من في السماوات ومن في الأرض أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. إلا من شاء الله ممن ثبته الله عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق، ونفخة الفزع.

ثم نفخ فيه النفخة الثانية نفخة البعث فإذا هم قيام ينظرون أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم.

[ ص: 1531 ] وأشرقت الأرض بنور ربها علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضمحل، وهو كذلك، فإن الله أخبر أن الشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل الله للخلق قوة، وينشئهم نشأة يقوون على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

ووضع الكتاب أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما قال تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا

وجيء بالنبيين ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم. والشهداء من الملائكة، والأعضاء والأرض. وقضي بينهم بالحق أي: العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومن هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب.

فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون لله بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم، ولهذا قال: ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون

التالي السابق


الخدمات العلمية