صفحة جزء
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا

تقدم أن الله نهى عن إخراج المطلقات عن البيوت وهنا أمر بإسكانهن وقدر الإسكان بالمعروف، وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها، بحسب جود الزوج وعسره، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن أي: لا تضاروهن عند سكناهن بالقول أو الفعل، لأجل أن يمللن، فيخرجن من البيوت قبل تمام العدة فتكونوا، أنتم المخرجين لهن، وحاصل هذا أنه نهى عن إخراجهن، ونهاهن عن الخروج، وأمر بسكناهن، على وجه لا يحصل عليهن ضرر ولا مشقة، وذلك راجع إلى العرف، وإن كن أي: المطلقات أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن وذلك لأجل الحمل الذي في بطنها، إن كانت بائنا، ولها ولحملها إن كانت رجعية، ومنتهى النفقة إلى وضع الحمل فإذا وضعن حملهن، فإما أن يرضعن أولادهن أو لا فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن المسماة لهن، إن كان مسمى، وإلا فأجر المثل، وأتمروا بينكم بمعروف أي: وليأمر كل واحد من الزوجين ومن [ ص: 1848 ] وغيرهما الآخر بالمعروف، وهو كل ما فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والآخرة، فإن الغفلة عن الائتمار بالمعروف، يحصل فيه من الضرر والشر، ما لا يعلمه إلا الله، وفي الائتمار تعاون على البر والتقوى، ومما يناسب هذا المقام، أن الزوجين عند الفراق وقت العدة، خصوصا إذا ولد بينهما ولد في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لأجل النفقة عليها وعلى الولد مع الفراق، الذي لا يحصل في الغالب إلا مقرونا بالبغض، فيتأثر من ذلك شيء كثير. فكل منهما يؤمر بالمعروف، والمعاشرة الحسنة، وعدم المشاقة والمنازعة ، وينصح على ذلك.

وإن تعاسرتم بأن لم يتفق الزوجان على إرضاعها لولدها، فلترضع له أخرى غيرها فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير أمه، فإن لم يقبل إلا ثدي أمه، تعينت لإرضاعه، ووجب عليها، وأجبرت إن امتنعت، وكان لها أجرة المثل إن لم يتفقا على مسمى، وهذا مأخوذ من الآية الكريمة من حيث المعنى، فإن الولد لما كان في بطن أمه مدة الحمل، لا خروج له منه ، عين تعالى على وليه النفقة، فلما ولد، وكان يتمكن أن يتقوت من أمه ومن غيرها، أباح تعالى الأمرين، فإذا كان بحالة لا يمكن أن يتقوت إلا من أمه كان بمنزلة الحمل، وتعينت أمه طريقا لقوته، ثم قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج فقال:لينفق ذو سعة من سعته أي: لينفق الغني من غناه، فلا ينفق نفقة الفقراء.

ومن قدر عليه رزقه أي: ضيق عليه فلينفق مما آتاه الله من الرزق.

لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، وخفف عن المعسر، وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، في باب النفقة وغيرها. سيجعل الله بعد عسر يسرا وهذه بشارة للمعسرين، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة، فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا

التالي السابق


الخدمات العلمية