صفحة جزء
وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ‎ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون

هؤلاء أهل الشقاء يعطون كتبهم المشتملة على أعمالهم السيئة بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة، فيقول أحدهم من الهم والغم والحزن يا ليتني لم أوت كتابيه لأنه يبشر بدخول النار والخسارة الأبدية.

ولم أدر ما حسابيه أي: ليتني كنت نسيا منسيا ولم أبعث وأحاسب ولهذا قال:

يا ليتها كانت القاضية أي: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها.

ثم التفت إلى ماله وسلطانه، فإذا هو وبال عليه لم يقدم منه لآخرته، ولم ينفعه في الافتداء من العذاب شيئا فيقول: ما أغنى عني ماليه أي: ما نفعني لا في الدنيا، لم أقدم منه شيئا، ولا في الآخرة، قد ذهب وقت نفعه.

هلك عني [ ص: 1877 ] سلطانيه أي: ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود ولا الكثرة، ولا العدد ولا العدد، ولا الجاه العريض، بل ذهب ذلك كله أدراج الرياح، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح، وحضر بدله الهموم والغموم والأتراح، فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد: خذوه فغلوه أي: اجعلوا في عنقه غلا يخنقه.

ثم الجحيم صلوه أي: قلبوه على جمرها ولهبها.

ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة فاسلكوه أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه، ويعلق فيها، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب.

فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم بأن كان كافرا بربه معاندا لرسله رادا ما جاءوا به من الحق.

ولا يحض على طعام المسكين أي: ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء والمساكين فلا يطعمهم من ماله ولا يحض غيره على إطعامهم، لعدم الوازع في قلبه، وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران: الإخلاص لله، الذي أصله الإيمان بالله، والإحسان إلى الخلق بوجوه الإحسان، الذي من أعظمها، دفع ضرورة المحتاجين بإطعامهم ما يتقوتون به، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان، فلذلك استحقوا ما استحقوا.

فليس له اليوم ها هنا أي: يوم القيامة حميم أي: قريب أو صديق يشفع له لينجو من عذاب الله أو يفوز بثوابه: ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع .

وليس له طعام إلا من غسلين وهو صديد أهل النار، الذي هو في غاية الحرارة، ونتن الريح، وقبح الطعم، لا يأكل هذا الطعام الذميم إلا الخاطئون الذين أخطأوا الصراط المستقيم وسلكوا كل طريق يوصلهم إلى الجحيم فلذلك استحقوا العذاب الأليم.

التالي السابق


الخدمات العلمية