صفحة جزء
إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزاء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا

ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون، ويجحده المعاندون، أنه يوم عظيم، وأن الله جعله ميقاتا للخلق.

ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له المولود، وتنزعج له القلوب، فتسير الجبال، حتى تكون كالهباء المبثوث، وتنشق [ ص: 1929 ] السماء حتى تكون أبوابا، ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور، وتوقد نار جهنم التي أرصدها الله وأعدها للطاغين، وجعلها مثوى لهم ومآبا، وأنهم يلبثون فيها أحقابا كثيرة و ( الحقب ) على ما قاله كثير من المفسرين: ثمانون سنة.

فإذا وردوها لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا أي: لا ما يبرد جلودهم، ولا ما يدفع ظمأهم.

إلا حميما أي: ماء حارا، يشوي وجوههم، ويقطع أمعاءهم، وغساقا وهو: صديد أهل النار، الذي هو في غاية النتن، وكراهة المذاق، وإنما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الأعمال الموصلة إليها، لم يظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم، ولهذا ذكر أعمالهم، التي استحقوا بها هذا الجزاء، فقال: إنهم كانوا لا يرجون حسابا أي: لا يؤمنون بالبعث، ولا أن الله يجازي الخلق بالخير والشر، فلذلك أهملوا العمل للآخرة.

وكذبوا بآياتنا كذابا أي: كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا وجاءتهم البينات فعاندوها.

وكل شيء من قليل وكثير، وخير وشر أحصيناه كتابا أي: أثبتناه في اللوح المحفوظ، فلا يحسب المجرمون أنا عذبناهم بذنوب لم يعملوها، ولا يحسبوا أنه يضيع من أعمالهم شيء، أو ينسى منها مثقال ذرة، كما قال تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا

فذوقوا أيها المكذبون هذا العذاب الأليم والخزي الدائم فلن نزيدكم إلا عذابا وكل وقت وحين يزداد عذابهم وهذه الآية أشد الآيات في شدة عذاب أهل النار أجارنا الله منها .

التالي السابق


الخدمات العلمية