صفحة جزء
تفسير سورة والشمس

وضحاها وهي مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها

أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة، على النفس المفلحة، وغيرها من النفوس الفاجرة، فقال:

والشمس وضحاها أي: نورها، ونفعها الصادر منها.

والقمر إذا تلاها أي: تبعها في المنازل والنور.

والنهار إذا جلاها أي: جلى ما على وجه الأرض وأوضحه.

والليل إذا يغشاها أي: يغشى وجه الأرض، فيكون ما عليها مظلما.

فتعاقب الظلمة والضياء، والشمس والقمر، على هذا [ ص: 1972 ] العالم، بانتظام وإتقان، وقيام لمصالح العباد، أكبر دليل على أن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه المعبود وحده، الذي كل معبود سواه باطل. والسماء وما بناها يحتمل أن" ما" موصولة، فيكون الإقسام بالسماء وبانيها، وهو الله تعالى، ويحتمل أنها مصدرية، فيكون الإقسام بالسماء وبنيانها، الذي هو غاية ما يقدر من الإحكام والإتقان والإحسان، ونحو هذا قوله: والأرض وما طحاها أي: مدها ووسعها، فتمكن الخلق حينئذ من الانتفاع بها، بجميع أوجه الانتفاع.

ونفس وما سواها يحتمل أن المراد نفس سائر المخلوقات الحيوانية، كما يؤيد هذا العموم، ويحتمل أن الإقسام بنفس الإنسان المكلف، بدليل ما يأتي بعده. وعلى كل، فالنفس آية كبيرة من آياته التي يحق الإقسام بها فإنها في غاية اللطف والخفة، سريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات النفسية، من الهم، والإرادة، والقصد، والحب، والبغض، وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه، وتسويتها على ما هي عليه آية من آيات الله العظيمة.

وقوله: قد أفلح من زكاها أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح.

وقد خاب من دساها أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.

كذبت ثمود بطغواها أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسولهم . إذ انبعث أشقاها أي: أشقى القبيلة، وهو " قدار بن سالف" لعقرها حين اتفقوا على ذلك، وأمروه فأتمر لهم.

فقال لهم [ ص: 1973 ] رسول الله صالح عليه السلام محذرا: ناقة الله وسقياها أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحا.

فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيا ولا مجيبا.

فسواها عليهم أي: سوى بينهم في العقوبة . ولا يخاف عقباها أي: تبعتها.

وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟

تمت ولله الحمد

التالي السابق


الخدمات العلمية