1. الرئيسية
  2. تفسير السعدي
  3. تفسير سورة الرعد
  4. تفسير قوله تعالى ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب
صفحة جزء
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب

(27 ) يخبر تعالى أن الذين كفروا بآيات الله يتعنتون على رسول الله ويقترحون ويقولون : لولا أنزل عليه آية من ربه : وبزعمهم أنها لو جاءت لآمنوا ، فأجابهم الله بقوله : قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ؛ أي : طلب رضوانه ، فليست الهداية والضلال بأيديهم حتى يجعلوا ذلك متوقفا على الآيات ، ومع ذلك فهم كاذبون ، فـ " لو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون "

[ ص: 832 ] ولا يلزم أن يأتي الرسول بالآية التي يعينونها ويقترحونها ، بل إذا جاءهم بآية تبين ما جاء به من الحق ؛ كفى ذلك وحصل المقصود وكان أنفع لهم من طلبهم الآيات التي يعينونها ؛ فإنها لو جاءتهم طبق ما اقترحوا فلم يؤمنوا بها لعاجلهم العذاب .

(28 ) ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين ، فقال : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله : أي : يزول قلقها واضطرابها ، وتحضرها أفراحها ولذاتها . ألا بذكر الله تطمئن القلوب ؛ أي : حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره ؛ فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها ، والأنس به ومعرفته ، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له يكون ذكرها له ، هذا على القول بأن ذكر الله ذكر العبد لربه ، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك . وقيل : إن المراد بذكر الله كتابه الذي أنزله ذكرى للمؤمنين ؛ فعلى هذا معنى طمأنينة القلب بذكر الله أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه تطمئن لها ؛ فإنها تدل على الحق المبين المؤيد بالأدلة والبراهين ، وبذلك تطمئن القلوب ؛ فإنها لا تطمئن إلا باليقين والعلم ، وذلك في كتاب الله ، مضمون على أتم الوجوه وأكملها ، وأما ما سواه من الكتب التي لا ترجع إليه ؛ فلا تطمئن بها ، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة وتضاد الأحكام ، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ، وهذا إنما يعرفه من خبر كتاب الله وتدبره ، وتدبر غيره من أنواع العلوم ، فإنه يجد بينها وبينه فرقا عظيما .

( 29 ) ثم قال تعالى : الذين آمنوا وعملوا الصالحات : أي : آمنوا بقلوبهم بالله وملائكته ، وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وصدقوا هذا الإيمان بالأعمال الصالحة ؛ أعمال القلوب كمحبة الله وخشيته ورجائه ، وأعمال الجوارح كالصلاة ونحوها . طوبى لهم وحسن مآب ؛ أي : لهم حالة طيبة ومرجع حسن . وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والآخرة ، وإن لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة ، ومن جملة ذلك شجرة طوبى التي في الجنة ، التي يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها ؛ كما وردت بها الأحاديث الصحيحة .

[ ص: 833 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية