صفحة جزء
ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون والجان خلقناه من قبل من نار السموم وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم

يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام، وما جرى من عدوه إبليس، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته، فقال تعالى:

(26 ولقد خلقنا الإنسان أي آدم عليه السلام من صلصال من حمإ مسنون أي: من طين قد يبس بعد ما خمر حتى صار له صلصلة وصوت، كصوت الفخار. والحمأ المسنون: الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه.

(27 والجان وهو أبو الجن أي: إبليس خلقناه من قبل : خلق آدم من نار السموم أي: من النار الشديدة الحرارة.

(28 - 29 ) فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة: إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فإذا سويته جسدا تاما ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين .

[ ص: 862 ] (30 - 31 ) فامتثلوا أمر ربهم، فسجد الملائكة كلهم أجمعون : تأكيد بعد تأكيد؛ ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد، وذلك تعظيما لأمر الله وإكراما لآدم حيث علم ما لم يعلموا.

إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وهذه أول عداوته لآدم وذريته.

(32 - 33 قال : الله: يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون فاستكبر على أمر الله، وأبدى العداوة لآدم وذريته، وأعجب بعنصره، وقال: أنا خير من آدم .

(34 - 35 قال الله معاقبا له على كفره واستكباره فاخرج منها فإنك رجيم أي مطرود ومبعد من كل خير وإن عليك اللعنة أي الذم والعيب والبعد عن رحمة الله إلى يوم الدين ففيها وما أشبهها دليل على أنه سيستمر على كفره وبعده من الخير

(36 - 38 قال رب فأنظرني أي أمهلني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد؛ ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك، ولذلك حذرنا منه غاية التحذير، وشرح لنا ما يريده منا.

(39 قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض أي أزين لهم الدنيا وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى حتى يكونوا منقادين لكل معصية ولأغوينهم أجمعين أي أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم إلا عبادك منهم المخلصين أي الذين أخلصتهم واجتبيتهم لإخلاصهم وإيمانهم وتوكلهم.

(40 ) قال الله : هذا صراط علي مستقيم أي معتدل موصل إلي وإلى دار كرامتي.

(41 إن عبادي ليس لك عليهم سلطان تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره، أعانهم الله وعصمهم من الشيطان.

(42 إلا من اتبعك فرضي بولايتك وطاعتك بدلا من طاعة الرحمن من الغاوين والغاوي ضد الراشد فهو الذي عرف الحق وتركه ، والضال الذي تركه من غير علم منه به.

(43 وإن جهنم لموعدهم أجمعين أي إبليس وجنوده.

[ ص: 863 ] (44 لها سبعة أبواب كل باب أسفل من الآخر لكل باب منهم أي من أتباع إبليس جزء مقسوم بحسب أعمالهم؛ قال تعالى: فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون

ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه أتباع إبليس من النكال والعذاب الشديد ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم والنعيم المقيم فقال :



التالي السابق


الخدمات العلمية