صفحة جزء
ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك [ ص: 966 ] صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا

(47 - 48) يخبر تعالى عن حال يوم القيامة، وما فيه من الأهوال المقلقة، والشدائد المزعجة فقال: ويوم نسير الجبال ؛ أي: يزيلها عن أماكنها، يجعلها كثيبا، ثم يجعلها كالعهن المنفوش، ثم تضمحل وتتلاشى، وتكون هباء منبثا، وتبرز الأرض فتصير قاعا صفصفا، لا عوج فيه ولا أمتا، ويحشر الله جميع الخلق على تلك الأرض، فلا يغادر منهم أحدا، بل يجمع الأولين والآخرين، من بطون الفلوات، وقعور البحار، ويجمعهم بعدما تفرقوا، ويعيدهم بعدما تمزقوا خلقا جديدا، فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في أعمالهم، ويحكم فيهم بحكمه العدل، الذي لا جور فيه ولا ظلم، ويقول لهم: لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ؛ أي: بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة، ما معهم إلا الأعمال التي عملوها، والمكاسب - في الخير والشر - التي كسبوها، كما قال تعالى: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء وقال هنا - مخاطبا للمنكرين للبعث - وقد شاهدوه عيانا: بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ؛ أي: أنكرتم الجزاء على الأعمال، ووعد الله ووعيده، فها قد رأيتموه وذقتموه. (49) فحينئذ تحضر كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة الكرام فتطير لها القلوب، وتعظم من وقعها الكروب، وتكاد لها الصم الصلاب تذوب، ويشفق منها المجرمون، فإذا رأوها مسطرة عليهم أعمالهم، محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم، قالوا: يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ؛ أي: لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة، لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار، ووجدوا ما عملوا حاضرا : لا يقدرون على إنكاره ولا يظلم ربك أحدا فحينئذ يجازون بها، ويقررون بها، ويخزون، ويحق عليهم العذاب، ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد ، بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.

[ ص: 967 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية