صفحة جزء
يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا

(7) أي: بشره الله تعالى على يد الملائكة بيحيى، وسماه الله له "يحيى" وكان اسما موافقا لمسماه: يحيا حياة حسية، فتتم به المنة، ويحيا حياة معنوية وهي حياة القلب والروح بالوحي والعلم والدين. لم نجعل له من قبل سميا ؛ أي: لم يسم هذا الاسم قبله أحد، ويحتمل أن المعنى: لم نجعل له من قبل مثيلا [ ص: 991 ] ومساميا، فيكون ذلك بشارة بكماله، واتصافه بالصفات الحميدة، وأنه فاق من قبله، ولكن - على هذا الاحتمال - هذا العموم لا بد أن يكون مخصوصا بإبراهيم وموسى ونوح عليهم السلام ونحوهم، ممن هو أفضل من يحيى قطعا. (8) فحينئذ لما جاءته البشارة بهذا المولود الذي طلبه استغرب وتعجب وقال: رب أنى يكون لي غلام : والحال أن المانع من وجود الولد موجود بي وبزوجتي؟ وكأنه وقت دعائه لم يستحضر هذا المانع؛ لقوة الوارد في قلبه، وشدة الحرص العظيم على الولد، وفي هذه الحال - حين قبلت دعوته - تعجب من ذلك. (8) فأجابه الله بقوله: كذلك قال ربك هو علي هين ؛ أي: الأمر مستغرب في العادة، وفي سنة الله في الخليقة، ولكن قدرة الله تعالى صالحة لإيجاد الأشياء بدون أسبابها، فذلك هين عليه، ليس بأصعب من إيجاده قبل، ولم يكن شيئا.

(10) قال رب اجعل لي آية ؛ أي: يطمئن بها قلبي، وليس هذا شكا في خبر الله، وإنما هو كما قال الخليل عليه السلام: رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فطلب زيادة العلم، والوصول إلى عين اليقين بعد علم اليقين، فأجابه الله إلى طلبته رحمة به. قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا وفي الآية الأخرى ثلاثة أيام إلا رمزا والمعنى واحد؛ لأنه تارة يعبر بالليالي وتارة بالأيام ومؤداها واحد، وهذا من الآيات العجيبة؛ فإن منعه من الكلام مدة ثلاثة أيام، وعجزه عنه - من غير خرس ولا آفة، بل كان سويا، لا نقص فيه - من الأدلة على قدرة الله الخارقة للعوائد، ومع هذا ممنوع من الكلام الذي يتعلق بالآدميين وخطابهم، وأما التسبيح والتهليل والذكر ونحوه فغير ممنوع منه، ولهذا قال في الآية الأخرى: واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار . (11) فاطمأن قلبه، واستبشر بهذه البشارة العظيمة، وامتثل لأمر الله له بالشكر بعبادته وذكره، فعكف في محرابه، وخرج على قومه منه فأوحى إليهم ؛ أي: بالإشارة والرمز أن سبحوا بكرة وعشيا لأن البشارة بيحيى في حق الجميع مصلحة دينية.

التالي السابق


الخدمات العلمية