صفحة جزء
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين

(27) يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا، فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وأخبر عن وصف الملائكة بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد ألزمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره.

(27) لا يسبقونه بالقول ؛ أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة حتى يقول الله؛ لكمال أدبهم، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه، وهم بأمره يعملون ؛ أي: مهما أمرهم امتثلوا لأمره، ومهما دبرهم عليه فعلوه، فلا [ ص: 1063 ] يعصونه طرفة عين، ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله. (28) ومع هذا فالله قد أحاط بهم علمه، فعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ؛ أي: أمورهم الماضية والمستقبلة، فلا خروج لهم عن علمه، كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره، ومن جزئيات وصفهم بأنهم لا يسبقونه بالقول أنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه ورضاه، فإذا أذن لهم وارتضى من يشفعون فيه شفعوا فيه، ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل إلا ما كان خالصا لوجهه، متبعا فيه الرسول. وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة، وأن الملائكة يشفعون، وهم من خشيته مشفقون ؛ أي: خائفون وجلون، قد خضعوا لجلاله، وعنت وجوههم لعزه وجماله.

(29) فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية، ولا يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك، ذكر أيضا أنه لا حظ لهم، ولا بمجرد الدعوى، وأن من قال منهم: إني إله من دونه على سبيل الفرض والتنزل فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ، وأي ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص الفقير إلى الله من جميع الوجوه مشاركته الله في خصائص الإلهية والربوبية؟!.

التالي السابق


الخدمات العلمية