صفحة جزء
إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين قال رب احكم ‎بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون

(106) يثني الله تعالى على كتابه العزيز القرآن، ويبين كفايته التامة عن كل شيء، وأنه لا يستغنى عنه، فقال: إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ؛ أي: يتبلغون به في الوصول إلى ربهم، وإلى دار كرامته، فيوصلهم إلى أجل المطالب، وأفضل الرغائب، وليس للعابدين الذين هم أشرف الخلق وراءه غاية؛ لأنه الكفيل بمعرفة ربهم، بأسمائه وصفاته وأفعاله، وبالإخبار بالغيوب الصادقة، وبالدعوة لحقائق الإيمان، وشواهد الإيقان، المبين للمأمورات كلها والمنهيات جميعها، المعرف بعيوب النفس والعمل والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله، والتحذير من طرق الشيطان، وبيان مداخله على الإنسان، فمن لم يغنه القرآن فلا أغناه الله، ومن لا يكفيه فلا كفاه الله.

[ ص: 1087 ] (107) ثم أثنى على رسوله، الذي جاء بالقرآن فقال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفروها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته.

(108) قل يا محمد إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد الذي لا يستحق العبادة إلا هو ، ولهذا قال: فهل أنتم مسلمون ؛ أي: منقادون لعبوديته مستسلمون لألوهيته، فإن فعلوا فليحمدوا ربهم على ما من عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن.

(109 -110 فإن تولوا عن الانقياد لعبودية ربهم، فحذرهم حلول المثلات، ونزول العقوبة، فقل آذنتكم ؛ أي: أعلمتكم بالعقوبة على سواء ؛ أي: علمي وعلمكم بذلك مستو، فلا تقولوا - إذا نزل بكم العذاب -: ما جاءنا من بشير ولا نذير بل الآن استوى علمي وعلمكم لما أنذرتكم وحذرتكم وأعلمتكم بمآل الكفر، ولم أكتم عنكم شيئا، وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ؛ أي: من العذاب؛ لأن علمه عند الله، وهو بيده، ليس لي من الأمر شيء.

(111) وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ؛ أي: لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم، وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين، ثم يكون أعظم لعقوبتكم.

(112) قال رب احكم بالحق ؛ أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء، وحكم بينهم - في الدنيا قبل الآخرة - بما عاقب الله به الكافرين من وقعة "بدر" وغيرها، وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ؛ أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون من قولكم: سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد.

[ ص: 1088 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية