صفحة جزء
باب الفدية وبيان أقسامها وأحكامها وهي مصدر فدى يفدي فداء وشرعا ( ما يجب بسبب نسك ) كدم تمتع أو قران أو واجب بفعل محظور في إحرام أو ترك واجب ( أو ) بسبب ( حرم ) كصيد الحرم المكي ونباته ( وهي ) أي الفدية ( ثلاثة أضرب ) لكن الثالث لا يخرج عن الضربين قبله ( ضرب ) يجب ( على التخيير وهو نوعان نوع ) منهما ( يخير فيه ) خرج ( بين ذبح شاة ، أو صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين ) منهم ( مد بر ، أو نصف صاع تمر ، أو ) نصف صاع ( شعير ) أو زبيب أو أقط ومما يأكله أفضل

وينبغي أن يكون بإدام ( وهي فدية لبس مخيط وطيب وتغطية رأس ) ذكر ، أو وجه أنثى ( وإزالة أكثر من شعرتين أو أكثر من ظفرين ) لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ; ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة { لعل أذاك هوام رأسك ؟ قال : نعم يا رسول الله فقال : احلق رأسك وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة } متفق عليه ولفظة ( أو ) للتخيير وخصت الفدية بالثلاثة لأنها جمع واعتبرت في مواضع بخلاف ربع الرأس وقيس على الحلق باقي المذكورات لأن تحريمها فيه للترفه أشبهت الحلق ، وغير المعذور ثبت الحكم فيه بطريق التبعية له

النوع ( الثاني جزاء الصيد يخير فيه ) من وجب عليه ( بين ) ذبح ( مثل ) الصيد من النعم ، وإعطائه لفقراء الحرم ، أي وقت شاء فلا يختص بأيام النحر ولا يجزئه أن يتصدق به حيا ( أو تقويمه ) أي المثل ( بمحل التلف للصيد وبقربه ) أي محل التلف ( بدراهم مثلا يشتري بها ) أي الدراهم التي هي قيمة المثل ( طعاما ) نصا لأن كل مثلي قوم إنما يقوم مثله ، كمال الآدمي

ولا يجوز أن يتصدق بالدراهم لأنه ليس من المذكورات في الآية ( يجزئ ) إخراجه ( في فطرة كواجب في [ ص: 554 ] فدية أذى وكفارة ) وهو البر ، والشعير ، والتمر ، والزبيب والأقط وله أن يخرج من طعام عنده يعدل ذلك ( فيطعم كل مسكين مد بر ، أو نصف صاع من غيره ) من تمر ، أو زبيب ، أو شعير ، أو أقط ( أو يصوم عن طعام كل مسكين يوما ) لقوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما } ( وإن بقي دونه ) أي طعام مسكين ( صام ) عنه ( يوما ) كاملا لأن الصوم لا يتبعض ولا يجب تتابع الصوم

ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه نصا لأنه كفارة واحدة كباقي الكفارات ( ويخير فيما ) أي صيد ( لا مثل له ) من النعم إذا قتله ( بين إطعام ) ما اشتراه بقيمته ، أو إخراجه عنها من طعامه ما يعدلها ( وصيام ) كما تقدم لتعذر المثل

الضرب الثاني من الفدية ما يجب ( مرتبا وهو ثلاثة أنواع أحدها : دم المتعة والقران فيجب هدي ) لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } " وقيس عليه القارن وتقدم وإذا عدمه ) أي الهدي متمتع ، أو قارن بأن لم يجده ( أو ) عدم ( ثمنه

ولو وجد من يقرضه ) نصا لأن الظاهر استمرار عسرته ولو قدر على الشراء بثمن في ذمته ، وهو موسر ببلده لم يلزمه ذكره في القواعد ( صام عشرة أيام : ثلاثة ) أيام ( في الحج ) أي وقته لأن الحج أفعال لا يصام فيها كقوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } أي فيها ( والأفضل كون آخرها ) أي الثلاثة ( يوم عرفة ) نصا فيقدم الإحرام ليصومها في إحرام الحج واستحب له هنا صوم يوم عرفة لموضع الحاجة ( وله تقديمها ) أي الثلاثة أيام قبل إحرامه بالحج فيصومها ( في إحرام العمرة ) لأنه أحد إحرامي التمتع فجاز فيه الصوم كإحرام الحج ولجواز تقديم الواجب على وقت وجوبه إذا وجد سبب الوجوب ، كالكفارة بعد الحلف قبل الحنث وسبب الوجوب هنا قد وجد وهو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج وعلم منه : أنه لا يجوز صومها ، قبل إحرام عمرة

( ووقت وجوبها ) أي الثلاثة أيام ، أي صومها ( ك ) وقت وجوب ( هدي ) لأنها بدله وتقدم : يجب بطلوع فجر يوم النحر .

( و ) صام ( سبعة ) أيام ( إذا رجع لأهله ) لقوله تعالى : { فمن لم يجد } أي هديا { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، تلك عشرة كاملة } ( وإن صامها ) أي السبعة أيام [ ص: 555 ] ( قبل ) رجوعه إلى أهله ( بعد إحرام بحج ) وفراغه منه ( أجزأه ) صومها

والأفضل إذا رجع إلى أهله ( لكن لا يصح ) صوم شيء منها ( أيام منى ) نصا لبقاء أعمال من الحج قالوا : لأن المراد بقوله تعالى : { إذا رجعتم } أي من عمل الحج ويجوز صومها بعد أيام التشريق .

قال القاضي : إذا كان قد طاف طواف الزيارة ويصح في صوم الثلاثة أيام منى وتقدم ( ومن لم يصم الثلاثة في أيام منى ) وهي أيام التشريق ( صام ) بعد ذلك ( عشرة ) كاملة ( وعليه دم ) لتأخيره واجبا من مناسك الحج عن وقته كتأخير رمي جمار عنها ( مطلقا ) أي لعذر وغيره ( وكذا إن أخر الهدي عن أيام النحر بلا عذر ) فيلزمه دم بتأخيره لذلك لما مر ( ولا يجب تتابع ولا تفريق في صوم الثلاثة ولا ) في صوم ( السبعة ولا بين الثلاثة والسبعة إذا قضاها )

وكذا لو صام الثلاثة أيام منى وأتبعها بالسبعة لأن الأمر بها مطلق فلا يقتضي جمعا ولا تفريقا ( ولا يلزم من قدر على الهدي بعد وجوب صوم ) بأن كان يعد يوم النحر ( انتقال عنه ) أي الصوم ( شرع فيه ) أي الصوم ( أولا ) اعتبارا بوقت الوجوب ، فقد استقر الصوم في ذمته فإن أخرج الهدي إذن أجزأه لأنه الأصل وإن صام قبل لعسرته ثم أيسر وقت وجوبه فقال ابن الزاغوني : لا يجزئه الصوم ، وإطلاق الأكثرين : يخالفه وفي كلام بعضهم تصريح به ذكره في القاعدة الخامسة

النوع ( الثاني ) من الضرب الثاني ( المحصر يلزمه هدي ) لقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } ( فإن لم يجد ) هديا ( صام عشرة أيام ) بنية التحلل ( ثم حل ) قياسا على دم تمتع وليس له التحلل قبل الذبح أو الصوم ( النوع الثالث ) من الضرب الثاني ( فدية الوطء ويجب به ) أي الوطء ( في حج قبل التحلل الأول بدنة فإن لم يجدها ) أي البدنة ( صام عشرة أيام ثلاثة فيه ) أي الحج ( وسبعة إذا رجع ) أي فرغ من أفعال الحج ، كدم متعة ، لقضاء الصحابة ( و ) يجب بوطء ( في عمرة شاة ) لما تقدم في الباب قبله ( والمرأة ) إن طاوعت ( كالرجل ) فيما ذكر

( الضرب الثالث : دم وجب لفوات ) الحج إن لم يشترط أن محلي حيث حبستني ( أو ) وجب ل ( ترك واجب ) من واجبات حج أو عمرة وتأتي ( أو ) وجب ( لمباشرة دون فرج فما أوجب ) منه ( بدنة كما لو باشر دون فرج فأنزل أو كرر النظر ) فأنزل ( أو قبل أو لمس لشهوة فأنزل ) [ ص: 556 ] أي أمنى ( أو استمنى فأمنى فحكمها ) أي البدنة الواجبة بذلك ( كبدنة وطء ) في فرج قياسا عليها فإذا وجدها نحرها ، وإلا صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع لأنه يوجب الغسل ، أشبه الوطء ( وما أوجب ) من ذلك ( شاة ، كما لو أمذى بذلك ) أي المباشرة دون الفرج وتكرار النظر والتقبيل واللمس لشهوة فكفدية أذى ( أو باشر ولم ينزل ، أو أمنى بنظرة فكفدية أذى ) لما فيه من الترفه

وكذا لو وطئ في العمرة قال ابن عباس فيمن وقع على امرأة في العمرة قبل التقصير " عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك " رواه الأثرم وكذا لو وطئ بعد التحلل الأول في الحج ( وخطأ في الكل ) أي كل ما ذكر من مباشرة دون فرج ، وتكرار نظر ، وتقبيل ولمس لشهوة ، أنزل أو أمذى أو لا ( كعمد ) في حكم الفدية كالوطء ( وأنثى مع شهوة ) فيما سبق ( كرجل ) فيما يجب من الفدية كالوطء ( وما وجب ) من فدية ( لفوات ) حج ( أو ترك واجب فكمتعة ) تجب شاة فإن لم يجد صام عشرة أيام لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه أشبه المترفه بترك أحد السفرين لكن لا يمكن في الفوات صوم ثلاثة أيام قبل النحر ; لأن الفوات إنما يكون بطلوع فجره قبل الوقوف ( ولا شيء ) أي لا فدية ( على من فكر فأنزل ) لحديث { عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم } متفق عليه ولا يقاس على تكرار النظر ; لأنه دونه في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال ، ويخالفه في التحريم إذا تعلق بأجنبية ، أو في الكراهة إذا تعلق بمباحة فيبقى على الأصل

التالي السابق


الخدمات العلمية