صفحة جزء
[ ص: 282 ] ( فصل وشرط المناضلة أربعة شروط ) أحدها ( كونها على من يحسن الرمي ) ; لأن الغرض معرفة الحذق به . ومن لا حذق له وجوده كعدمه ( وتبطل ) مناضلة بين حزبين إذا كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي ( فيمن لا يحسنه من أحد الحزبين ويخرج مثله ) أي : من جعل بإزائه ( من ) الحزب ( الآخر ) إذا كان كل واحد من الرئيسين يختار إنسانا والآخر في مقابلته آخر . فمن لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وأخرج مقابله ، كالبيع إذا بطل في بعض المبيع سقط ما قابله من الثمن ( ولهم ) أي : الباقين ( الفسخ إن أحبوا ) لتبعيض الصفقة في حقهم .

( وإن تعاقدوا ليقتسموا بعد العقد حزبين ) أي : ليعين رئيس كل حزب معه ( برضاهم لا بقرعة . صح ) ; لأن القرعة قد تقع على الحذاق في أحد الحزبين وعلى الكوادن في الآخر . فيبطل مقصود النضال ; ولأنها إنما تخرج المبهمات . والعقد لا يتم حتى يتميز كل حزب " ويجعل لكل حزب رئيس ، فيختار أحدهما " أي : أحد الرئيسين ( واحدا ) من الرماة يكون معه ( ثم ) يختار ( الآخر ) من الرئيسين ( آخر ) من الرماة ( حتى يفرغا ) فيتم العقد على المعينين بالاختيار إذن . ولا يجوز اختيار كل منهما أكثر من واحد . لأن اختيار اثنين اثنين فأكثر يبعد من التساوي والعدل .

( وإن تشاحا فيمن يبدأ ) من الرئيسين ( بالخيرة اقترعا ) فمن خرجت له القرعة اختار أولا . إذ القرعة تميز المستحق بعد ثبوت الاستحقاق لغير معين وتساوي أهله ( ولا يجوز جعل رئيس الحزبين واحدا ) ; لأنه لا يضره أي الحزبين سبق لتدبيره لهما ، فيفوت مقصود المناضلة ( ولا ) يجوز جعل ( الخيرة في تمييزهما ) أي الحزبين ( إليه ) أي : إلى واحد لما تقدم . وإن أرادوا القرعة لإخراج الزعيمين جاز لقلة الغرر . ولا يشترط استواء عدد الرماة ، فيجوز أن يكون أحد الحزبين عشرة والآخر ثمانية ونحوه . الشرط ( الثاني : معرفة عدد الرمي ) لئلا يؤدي إلى الاختلاف . فقد يريد أحدهما القطع ويريد الآخر الزيادة .

والرشق بكسر الراء عدد الرمي ، وبفتحها مصدر رشق الشيء رشقا ( و ) معرفة عدد ( الإصابة ) لتبين مقصود المناضلة وهو الحذق . فيقال مثلا : الرشق عشرون ، والإصابة خمسة ونحوها . [ ص: 283 ] ويشترط إمكان قسمة عدد الرمي على الرماة بلا كسر . فإن كانوا ثلاثة فلا بد أن يكون له ثلث ، أو أربعة فلا بد أن يكون له ربع . وهكذا لئلا يبقى ما لا يمكن الجماعة الاشتراك فيه . ويشترط استواؤهما في عدد الرمي والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي لأن موضوعها على المساواة ، والغرض معرفة الحذق .

الشرط ( الثالث : تبيين كونه ) أي : الرمي ( مفاضلة ك ) قولهم ( أينا فضل صاحبه بخمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق ) ونحوه . ويلزم فيها إتمام الرمي إن كان فيه فائدة ( أو ) تبيين كون الرمي ( مبادرة ، كأينا سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فقد سبق ) ونحوه . فإذا رميا عشرا عشرا فأصاب أحدهما خمسا ولم يصب الآخر خمسا ، فمصيب الخمس هو السابق سواء أصاب الآخر ما دونها أو لم يصب شيئا ( ولا يلزم إن سبق إليها واحد إتمام الرمي ) ; لأن السبق قد صار للسابق .

وإن أصاب كل واحد منهما من العشرة خمسا فلا سابق فيهما ولا يكملان الرشق . ; لأن جميع الإصابة المشروطة قد حصلت واستويا فيها ( أو ) تبيين كون الرمي ( محاطة بأن ) اشترطا أن ( يحط ما تساويا فيه من إصابة من رمي معلوم مع تساويهما في ) عدد ( الرميات فأيهما فضل ) صاحبه ( بإصابة معلومة فقد سبق ) والفرق بين المفاضلة والمحاطة : أن المحاطة تقدر فيها الإصابة من الجانبين بخلاف المفاضلة .

وفي المغني والشرح والإقناع : المفاضلة هي المحاطة ( وإن أطلقا الإصابة ) في المناضلة ( أو قالا ) أي : شرطا أنها ( خواصل ) بخاء معجمة وصاد مهملة ( تناولها ) أي : تناول اللفظ الإصابة ( على أي صفة كانت ) .

قال الأزهري : يقال خصلت مناضلي خصلة وخصلا . وسمي ذلك القرع . والقرطسة يقال : قرطس إذا أصاب . وعلم منه : أنه لا يشترط وصف الإصابة لكن يسن .

( وإن قالا ) أي : اشترطا أن الإصابة ( خواسق أو خوازق بالزاي أو مقرطس ) وهي ( ما خرق الغرض وثبت فيه ) ( أو ) اشترطا أن الإصابة ( خوارق بالراء أو موارق ) وهي ( ما خرقه ) أي : الغرض ( ولم يثبت ) فيه ( أو ) اشترطا أنها ( خواصر ) وهي ( ما وقع في أحد جانبيه ) ( أو ) اشترطا أنها ( خوارم ) ، وهي ( ما خرم جانبه ) .

( أو ) اشترطا أنها ( حوابي ) بالحاء المهملة وهي ( ما وقع بين يديه ثم وثب إليه ) أي : الغرض ( أو شرطا إصابة موضع منه ) معين ( كدائرته ) أي : الغرض ( تقيدت ) المناضلة [ ص: 284 ] ( به ) أي : بما شرطاه ; لأنه مرجع المناضلة . وإن شرطا الخواسق والحوابي معا صح . قاله في الشرح ( ولا يصح شرط إصابة نادرة ) كتسعة من عشرة . لأن الظاهر عدم وجودها فيفوت المقصود .

( ولا ) يصح ( تناضلهما على أن السبق لا يعدوهما رميا ) إذ الغرض من الرمي الإصابة لقتل العدو أو جرحه أو الصيد ونحوه ، وهو إنما يحصل من الإصابة لا من بعد الرمي . الشرط ( الرابع : معرفة قدره ) أي : الغرض ( طولا وعرضا وسمكا وارتفاعا ) من الأرض بمشاهدة أو تقدير بشيء معلوم ; لاختلاف الإصابة بصغره وكبره وغلظه ورقته وارتفاعه وانخفاضه . والغرض ما تقصد إصابته بالرمي من قرطاس أو جلد أو خشب أو قرع أو غيره . وسمي أيضا : شارة وشنا ( وإن تشاحا ) أي المتناضلان ( في الابتداء ) أي : في البادئ منهما بالرمي ( أقرع ) بينهما ; لأنه لا مرجح غيرها .

فمن خرجت له القرعة فبدره الآخر ورمى لم يعتد له بسهم أصاب أو أخطأ . ويستحب تعيين المبتدئ بالرمي في العقد . ويجوز أن يرميا سهما سهما وخمسا خمسا وأن يرمي كل واحد جميع الرشق وإن شرطا شيئا حمل عليه . فإن أطلقا تراسلا سهما سهما ; لأنه العرف . وإذا اختلفا في موضع الوقوف عن يمين الغرض أو يساره فالأمر إلى البادئ منهما . فإذا صار الثاني إلى الغرض صار الخيار إليه ليستويا .

وإن طلب أحدهما استقبال الشمس والآخر استدبارها أجيب من طلب استدبارها ( وإذا بدأ ) أحدهما ( في وجه ) هو رمي القوم بأجمعهم جميع السهام ( بدأ الآخر ) في الوجه ( الثاني ) عدلا بينهما فإن شرطا البداءة لأحدهما في كل الوجوه لم يصح ; لأن موضوع المناضلة على المساواة ، وهذا تفاضل ، وإن فعلاه بتراضيهما بلا شرط جاز ، إذ لا أثر للبداءة في الإصابة ( وسن جعل غرضين ) في المناضلة يرمي الرسيلان أحدهما ثم يمضيان إلى المرمي فيأخذان السهام ويرميان الآخر . لأنه فعل أصحابه صلى الله عليه وسلم وعنه صلى الله عليه وسلم " { ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة } " وقال إبراهيم التيمي : رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين يقول : أنالها في قميص وعن ابن عمر مثله .

والهدف ما ينصب الغرض عليه من نحو تراب مجموع أو حائط . ( وإذا ) كان غرضان ف ( بدأ أحدهما ) أي : المتناضلين ( بغرض بدأ الآخر بالثاني ) لحصول التعادل ( وإن أطارته ) أي : الغرض ( الريح فوقع السهم موضعه ) أي : المتناضلين ( خواسق أو نحوها ) كخوارق ومقرطس ( لم [ ص: 285 ] يحتسب له ) أي : الرامي ( به ) أي : بالسهم ( ولا عليه ) ; لأنا لا ندري هل كان يثبت في الغرض لو كان موجودا أو لا ؟ وإن كان شرطهم خواصل احتسب به لراميه ; لأنه لو كان الغرض موضعه لأصابه ، وكذا لو كانا أطلقا الإصابة . وإن بقي الغرض موضعه وشرطهم خواصل وأصاب السهم الغرض بعرضه أو بفوقه ، بأن انقلب بين يدي الغرض فأصابه فوقه أو انكسر السهم قطعتين وأصاب الغرض واحدة منهما لم يعتد به .

( وإن عرض ) لأحدهما ( عارض من كسر قوس أو قطع وتر أو ريح شديدة ) فأخطأ أو أصاب ( لم يحتسب ) له ( بالسهم ) ولا عليه ; لأن العارض يجوز أن يصرفه عن الصواب إلى الخطأ كعكسه . وإن حال حائل بينه وبين الغرض فنفد منه وأصاب الغرض حسب له ; لأنه من سداد الرمي وقوته ( وإن عرض مطر أو ظلمة ) عند رمي ( جاز تأخيره ) ; لأن المطر يرخي الوتر والظلمة عذر لا يمكن معه فعل المعقود عليه والعادة الرمي نهارا ، إلا أن يشترطاه ليلا فيلزم . فإن كانت الليلة مقمرة منيرة اكتفي به وإلا رميا في ضوء شمعة أو مشعل .

ويمنع كل منهما من كلام يغيظ به صاحبه ، كأن يرتجز أو يفتخر ويتبجح بالإصابة ويعنف صاحبه على الخطأ أو يظهر أنه يعلمه ( وكره ) لمن حضرهما من أمين وشهود وغيرهم ( مدح أحدهما أو ) مدح ( المصيب وعيب المخطئ لما فيه من كسر قلب صاحبه ) وغيظه وحرمه ابن عقيل . قال في الفروع : ويتوجه في شيخ العلم وغيره مدح المصيب من الطلبة وعيب غيره كذلك .

وفي الإنصاف قلت : إن كان مدحه يفضي إلى تعاظم الممدوح أو كسر قلب غيره قوي التحريم .

وإن كان فيه تحريض على الاشتغال ونحوه قوي الاستحباب ( ومن قال ) لآخر : ( ارم عشرة أسهم فإن كان صوابك ) أي : إصابتك فيها ( أكثر من خطئك فلك درهم ) صح ( أو ) قال : ( لك بكل سهم أصبت به درهم ) صح ، أو قال : فلك بكل سهم زائد على النصف من المصابات درهم صح ( أو ) قال : ( ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم صح ) وكان جعالة في الجميع ( ولزمه ) الجعل ( بذلك ) أي : بوجود الإصابة المشروطة ; لأنه بذل مال على عمل فيه غرض صحيح . وليس نضالا . ; لأنه لا يكون إلا بين اثنين فأكثر . فإن قال : وإن كان خطؤك أكثر فعليك درهم أو نحوه لم يصح . و ( لا إن قال : وإن أخطأت فعليك درهم ) ; لأنه قمار . وإن قال : من أراد رمي سهم لحاضره إن أخطأت فلك درهم لم يجز ; لأن الجعل إنما يكون في مقابلة عمل ، ولم يوجد من الحاضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية