صفحة جزء
( و ) الخامس ( دخول وقت ) صلاة مؤقتة . وهذا المقصود هنا وعبر عنه بعضهم : بالمواقيت . قال تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } قال ابن عباس " دلوكها إذا فاء الفيء " وقال عمر " الصلاة لها وقت شرطه الله تعالى لها لا تصح إلا به " وهو حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس ،

ثم قال " يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك " والوقت أيضا : سبب وجوب الصلاة ، لأنها تضاف إليه ، وتتكرر بتكرره ، وشرط للوجوب كالأداء ، وغيره من الشروط شرط للأداء فقط ( وهو ) أي الوقت ( لظهر ) . وهو لغة الوقت بعد الزوال وشرعا : صلاة هذا الوقت مشتق من الظهور لأن فعلها يكون ظاهرا وسط النهار ، وتسمى أيضا : الهجير ، لفعلها وقت الهاجرة ( وهي الأولى ) لبداءة جبريل بها لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وفيه إشارة إلى أن هذا الدين ظهر أمره وسطع نوره ، وختم بالفجر ، لأنه وقت ظهور فيه ضعف ( من الزوال ، وهو ابتداء طول الظل بعد تناهي قصره ) لأن الظل يكون طويلا عند ابتداء طلوع الشمس ، وكلما صعدت قصر إلى أن تنتهي . فإذا أخذت في النزول مغربة [ ص: 141 ] طال ، لمحاذاة المنتصب قرصها ، فهذا أول وقت الظهر . ويقصر الظل في الصيف لارتفاعها إلى الجو ، ويطول في الشتاء ( لكن لا يقصر الظل في بعض بلاد خراسان . لسير الشمس ناحية عنها ) فصيفها كشتاء غيرها .

فيعتبر الوقت بالزوال ، وهو ميلها للغروب ( ويختلف ) ظل الزوال ( بالشهر والبلد ) فيقصر في الصيف . وكلما قرب من البلاد من وسط الفلك ، ويطول في ضد ذلك ( فأقله ) أي أقل ظل آدمي تزول عليه الشمس ( بإقليم الشام والعراق : قدم وثلث ) قدم بقدم ذلك الآدمي ( في نصف حزيران ) وسابع عشرة أطول أيام السنة .

( ويتزايد ) بقصر النهار ( إلى عشرة أقدام ) ( وسدس ) قدم ( في نصف كانون الأول ) وسابع عشرة أقصر أيام السنة ( ويكون ) الظل ( أقل ) قصرا ( وأكثر ) طولا ( في غير ذلك ) المسمى من الشهور والبلدان ( وطول كل إنسان بقدمه ) نفسه ( ستة ) أقدام ( وثلثان تقريبا ) فقد يزيد أو ينقص يسيرا ، ويمتد وقتها من الزوال ( حتى يتساوى منتصب وفيئه ) أي ظله ( سوى ظل الزوال ) فإذا ضبطت الظل الذي زال عليه الشمس وبلغت الزيادة عليه قدر الشاخص ،

فقد انتهى وقت الظهر . وتجب الفريضة على المكلف بها بأول وقتها لقوله تعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ولا يجوز تأخيرها إلا مع العزم على فعلها فيه ( والأفضل : تعجيلها ) أي الظهر لحديث أبي برزة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير ، التي تدعونها الأولى ، حين تدحض الشمس } وقال جابر { كان صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة } متفق عليهما ( إلا مع حر مطلقا ) سواء كان البلد حارا أو لا ، صلى في جماعة أو منفردا في المسجد أو في بيته .

لعموم حديث { إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم } متفق عليه ، وفيحها غليانها وانتشار لهبها ووهجها . فتؤخر مع حر ( حتى ينكسر ) الحر للخبر ( و ) إلا ( مع غيم لمصل جماعة ) لما روى سعيد عن إبراهيم قال " كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر في اليوم المغيم " فتؤخر فيه ( لقرب وقت العصر ) طلبا للسهولة . لأنه يخاف فيه العوارض من مطر وريح

فيشق الخروج بتكرره ، فاستحب تأخير الأولى ليقرب وقت الثانية ، فيخرج لهما خروجا واحدا ( فيسن ) التأخير في الموضعين . لما تقدم ( غير جمعة فيهما ) أي في الحر والغيم ، فيسن تقديمها . مطلقا لحديث سهل بن سعد { ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة } [ ص: 142 ] وقول سلمة بن الأكوع { كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنتتبع الفيء } متفق عليهما .

( وتأخيرها ) أي الظهر ( لمن لا جمعة عليه ) كعبد ( أو ) لمن ( يرمي الجمرات حتى يفعلا ) أي يصلي الجمعة ويرمي الجمرات ( أفضل ) من فعلها قبلهما لما يأتي في الجمعة والحج ( ويليه ) أي وقت الظهر : الوقت ( المختار للعصر ) فلا فصل ، ولا اشتراك بينهما ( وهي ) أي العصر الصلاة ( الوسطى ) للخبر ، بلا خلاف عن الإمام والأصحاب فيما أعلمه .

ذكره في الإنصاف فهي بمعنى الفضلى والمتوسطة بين صلاة نهارية وصلاة ليلية ، أو بين رباعيتين ، ويمتد الوقت المختار للعصر ( حتى يصير ظل كل شيء مثليه ، سوى ظل الزوال ) أي ظل الشاخص الذي زالت الشمس عليه إن كان لأن جبريل " صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه ، وقال : الوقت فيما بين هذين " ( ثم هو ) أي الوقت بعد أن يصير ظل كل شيء مثليه سوى ظل الزوال ( وقت ضرورة إلى الغروب ) مصدر غربت الشمس ، بفتح الراء وضمها .

فتكون الصلاة فيه أداء . لحديث { من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها } متفق عليه . ولا فرق بين المعذور وغيره ، إلا في الإثم وعدمه فيحرم التأخير إليه بلا عذر ( وتعجيلها ) أي العصر ( مطلقا ) أي مع حر وغيم وغيرهما ( أفضل ) للأخبار ( ويليه ) أي وقت الضرورة للعصر الوقت ( للمغرب ) وأصله وقت الغروب ، أو مكانه أو هو نفسه ، ثم صار اسما لصلاة ذلك الوقت كنظائره .

( وهي ) أي المغرب ( وتر النهار ) للخبر لقربها منه واتصالها به . ويمتد وقتها ( حتى يغيب الشفق الأحمر ) لحديث ابن عمر مرفوعا { وقت المغرب ما لم يغب الشفق } رواه مسلم . ولحديث ابن عمر مرفوعا أيضا { الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء } رواه الدارقطني ( والأفضل تعجيلها ) أي المغرب لحديث رافع بن خديج { كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا ، وإنه ليبصر مواقع نبله } متفق عليه .

وفعل جبريل لها في اليومين في وقت واحد دليل لتأكيد استحباب استعجالها ( إلا ليلة جمع ) أي مزدلفة . سميت بذلك لاجتماع الناس فيها . وهي ليلة يوم النحر فيسن تأخيرها ( لمحرم ) يباح له الجمع ( قصدها ) أي مزدلفة .

قال في الفروع : إجماعا ( إن لم يوافها ) أي مزدلفة ( وقت الغروب ) فيصلي المغرب في وقتها ولا يؤخرها ( و ) لا ( في [ ص: 143 ] غيم لمصل جماعة ) فيسن تأخيرها لقرب وقت العشاء ( كما تقدم ) في الظهر ( و ) لا في ( جمع تأخير إن كان جمع التأخير أرفق ) لمن يباح له .

ولا يكره تسمية المغرب بالعشاء ( ويليه ) أي وقت المغرب ( المختار للعشاء ) وهو أول الظلام وعرفا : صلاة هذا الوقت يقال لها : عشاء الأخيرة ، ويمتد وقتها المختار ( إلى ثلث الليل ) لأن جبريل { صلاها للنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول حين غاب الشفق . وفي اليوم الثاني حين كان ثلث الليل الأول ، ثم قال : الوقت فيما بين هذين } رواه مسلم .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت { كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل } رواه البخاري ( وصلاتها ) أي العشاء ( آخر الثلث ) الأول من الليل ( أفضل ) لخبر عائشة رضي الله عنها . ولقوله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه } .

رواه الترمذي وصححه ( ما لم يؤخر المغرب ) حيث جاز تأخيرها لنحو جمع فتقدم العشاء ( ويكره التأخير إن شق ولو على بعضهم ) أي المسلمين . لأنه صلى الله عليه وسلم " كان يأمر بالتخفيف " رفقا بالمأمومين ( و ) يكره ( النوم قبلها ) أي صلاة العشاء ، ولو كان له من يوقظه ( و ) يكره ( الحديث بعدها ) أي صلاة العشاء . لحديث أبي برزة الأسلمي .

وفيه { وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها } متفق عليه ( إلا ) حديثا ( يسيرا ) وإلا حديثا مع ( أهل ) وضيف ، لأنه خير ناجز فلا يترك لتوهم مفسدة ( ثم هو ) أي الوقت بعد ثلث الليل ( وقت ضرورة إلى طلوع الفجر الثاني ) لحديث { ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى } رواه مسلم . ولأنه وقت للوتر .

وهو من توابع العشاء ( وهو ) أي الفجر الثاني المستطيل ( البياض المعترض بالمشرق ولا ظلمة بعده ) ويقال له : الفجر الصادق ( و ) الفجر ( الأول ) ويقال له : الكاذب ( مستطيل ) بلا اعتراض ( أزرق له شعاع ثم يظلم ) ولدقته يسمى ذنب السرحان ، وهو الذئب ( ويليه ) أي وقت الضرورة للعشاء الوقت ( للفجر ) إجماعا ، ويمتد ( إلى الشروق ) لحديث ابن عمر مرفوعا { وقت الفجر ما لم تطلع الشمس } رواه مسلم ( وتعجيلها ) أي الفجر ( مطلقا ) أي صيفا وشتاء ( أفضل ) قال ابن عبد البر : صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم : أنهم كانوا يغسلون بالفجر .

ومحال أن يتركوا [ ص: 144 ] الأفضل وهم النهاية في إتيان الفضائل . وحديث { أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر } رواه أحمد وغيره . حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق رضي الله تعالى عنهم : أن معنى الإسفار أنه يضيء الفجر فلا يشك فيه . ويسن جلوسه بمصلاه بعد عصر إلى الغروب وبعد فجر الشروق ، بخلاف بقية الصلوات . ويكره الحديث بعد صلاة الفجر في أمر الدنيا ، حتى تطلع الشمس .

ذكره في الإقناع ( وتأخير الكل ) أي الصلوات الخمس ( مع أمن فوت ) الوقت بأن يبقى منه ما يتسع لها كلها ( لمصلي كسوف ) لشمس أو قمر أفضل لئلا يفوته الكسوف .

( و ) تأخير الكل مع أمن فوت ل ( معذور ، كحاقن ) ببول أو نحوه ( وتائق ) إلى طعام أو نحوه ( أفضل ) ليزيل ذلك ، ويأتي الصلاة على الوجه الأكمل

، فإن ضاق الوقت تعينت ( ولو أمره به ) أي التأخير ( والده ليصلي به ) الصلاة التي طلب تأخيرها مع سعة الوقت ( أخر ) ليصلي به وظاهره وجوبا لطاعة والده . وأنه إن أمره بالتأخير لغير ذلك لم يؤخر ( ف ) يؤخذ منه : أنه ( لا يكره أن يؤم أباه ) وهو ظاهر .

( ويجب ) التأخير ( لتعلم الفاتحة ، و ) تعلم ( ذكر واجب ) لأن الواجب لا يتم إلا به ( وتحصل فضيلة التعجيل بالتأهب ) للصلاة ( أول الوقت ) بأن يشتغل بالطهارة ونحوها عند دخوله ; لأنه لا إعراض منه ( ويقدر للصلاة أيام الدجال ) الطوال ، وهي يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ( قدر ) الزمن ( المعتاد ) لا أنه للظهر بالزوال وانتصاف النهار ، ولا للعصر بمصير ظل الشيء مثله . وهكذا ، بل يقدر الوقت بزمن يساوي الزمن الذي كان في الأيام المعتادة ، والليلة في ذلك كاليوم إن طالت ، قلت : وقياسه الصوم وسائر العبادات .

التالي السابق


الخدمات العلمية