صفحة جزء
( ويلزمه ) أي : الوديع ( حفظها ) أي : الوديعة ( في حرز مثلها عرفا ) لقوله تعالى { : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ، ولا يمكن أداؤها بدون حفظها . ولأن المقصود من الإيداع الحفظ والاستيداع التزام [ ص: 353 ] ذلك . فإذا لم يحفظها لم يفعل ما التزمه ( كحرز سرقة ) أي : في كل مال بحسبه . ويأتي في بابها ( فإن عينه ) أي : الحرز ( ربها ) أي : الوديعة . بأن قال : احفظها بهذا البيت أو الحانوت ( فأحرزها بدونه ) أي : دون المعين رتبة في الحفظ فضاعت ( ضمن ) لمخالفته . ولأن بيوت الدار تختلف : فمنها ما هو أسهل نقبا ونحوه ، ( ولو ردها إلى ) الحرز ( المعين ) بعد ذلك وتلفت فيه فيضمنها لتعديه بوضعها في الدون فلا تعود أمانة إلا بعقد جديد .

( و ) إن أحرزها ( بمثله ) أي : الحرز المعين في الحفظ ( أو ) أحرزها في حرز ( فوقه ) أي : الحفظ منه . كما لو أودعه خاتما وقال له : البسه في خنصرك فلبسه في بنصره ( ولو لغير حاجة لا يضمن ) الوديعة إن تلفت . لأن تعيين الحرز يقتضي الإذن في مثله كمن اكترى أرضا لزرع بر له زرعها إياه ومثله ضررا واقتضى الإذن فيما هو أحفظ من باب أولى . كزرع ما هو دون البر ضررا . ولا فرق بين الجعل أولا في غير المعين وبين النقل إليه .

قال الحارثي .

وفي التلخيص : وأصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره . وعندي إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن انتهى . وإن كانت عين في بيت ربها وقال لآخر : احفظها في موضعها فنقلها منه بلا خوف ضمنها ; لأنه ليس بوديع بل وكيل في حفظها فلا يخرجها من ملك صاحبها ولا من موضع استأجره لها إلا إن خاف عليها فعليه إخراجها ; لأنه مأمور بحفظها وقد تعين حفظها في إخراجها ويعلم منه أنه لو حضر ربها في هذه الحال لأخرجها وكالمستودع إذا خاف عليها ( ، وإن نهاه ) ربها ( عن إخراجها ) من مكان عينه لحفظها ( فأخرجها ) وديع منه ( لغشيان ) أي : وجود ( شيء الغالب منه الهلاك ) كحريق ونهب فتلفت ( لم يضمن ) ما تلف بنقلها ( إن وضعها في حرز مثلها أو فوقه ) لتعين نقلها ; لأن في تركها تضييعا لها ، ( فإن تعذر ) عليه مثل حرزها الأول وفوقه ( فأحرزها في دونه ) في الحفظ فتلفت به ( لم يضمن ) ; لأنه أحفظ لها من تركها بمكانها وليس في وسعه إذن سواه ( وإن تركها إذن ) بمكانها مع غشيان ما الغالب معه الهلاك فتلفت ضمن لتفريطه ويحرم ( أو أخرجها ) من حرز نهاه مالكها عن إخراجها منه ( لغير خوف فتلفت ) بالأمر المخوف أو غيره ( ضمن ) ، سواء أخرجها إلى مثله أو أحرز منه لمخالفة ربها بلا حاجة ويحرم ، ( فإنقال ) له مالكها : ( لا تخرجها وإن خفت عليها فحصل خوف وأخرجها ) خوفا عليها ( أو لا ) أي : لو لم [ ص: 354 ] يخرجها مع الخوف ( فتلفت ) مع إخراجها أو تركه ( لم يضمنها ) ; لأنه إن تركها فهو ممتثل أمر صاحبها لنهيه عن إخراجها مع الخوف كما لو أمره بإتلافها ، وإن أخرجها فقد زاده خيرا وحفظا كما لو قال له : أتلفها فلم يتلفها حتى تلفت ، وإن أخرجها بلا خوف فتلفت ضمن كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية