صفحة جزء
فصل في المواضع التي لا تصح الصلاة فيها مطلقا وما يصح فيه النفل دون الفرض ، وما يتعلق بذلك ( ولا تصح تعبدا صلاة ) فرض أو نفل ( في مقبرة ) قديمة أو حديثة تقلبت أو لا ، وهي مدفن الموتى . لقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 164 ] { لا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك } رواه مسلم من حديث سمرة بن جندب ( ولا يضر ) صحة الصلاة ( قبران ولا ما دفن بداره ) ولو زاد على ثلاثة قبور ; لأنه لا يسمى مقبرة ، بل هي ثلاثة قبور فأكثر ، نقله في الاختبارات عن طائفة من الأصحاب ،

وبني لفظها من القبر لأن الشيء إذا كثر بمكان جاز أن يبنى له اسم من اسمه كمسبعة ومضبعة لما كثر فيه من السباع والضباع ، وأما الخشخاشة وتسمى الفسقية فيها أموات كثيرون ، فهي قبر واحد ، قاله في الفروع بحثا .

( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة ( في حمام ) لقوله صلى الله عليه وسلم { الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة } رواه أبو داود ( و ) لا تصح أيضا ( فيما يتبعه في بيع ) لتناول اسمه له .

فلا فرق بين مكان الغسل والمسلخ والأتون وكل ما يغلق عليه بابه ( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة في ( حش ) بفتح الحاء وضمها فيمنع من الصلاة داخل بابه ، ولو غير موضع الكنيف ، ولو مع طهارته من النجاسة لأنه لما منع الشرع من الكلام وذكر الله تعالى فيه ، كان منع الصلاة أولى ، وهو لغة البستان ، ثم أطلق على محل قضاء الحاجة : لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البستان ، وهي الحشوش : فسميت الأخلية في الحضر حشوشا بذلك .

( و ) لا تصح أيضا تعبدا صلاة في ( أعطان إبل ) جمع عطن بفتح الطاء وهي المعاطن جمع معطن بكسرها لحديث { صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مبارك الإبل } رواه أحمد وأبو داود .

وقال ابن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح " وهي " أي الأعطان ( ما تقيم فيها ) الإبل ( وتأوي إليها ) طاهرة كانت أو نجسة ، فيها إبل حال الصلاة أو لا لعموم الخبر . وأما ما تبيت فيه الإبل في مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها ، فلا يمنع من الصلاة فيه ; لأنه ليس بعطن .

( و ) لا تصح صلاة أيضا ( في مجزرة ) مكان الذبح ( و ) لا في ( مزبلة ) ملقى الزبالة .

( و ) لا في ( قارعة الطريق ) أي محل قرع الأقدام من الطريق .

وهي المحجة ، سواء كان فيها سالك أو لا . لحديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة : ظهر بيت الله ، والمقبرة ، والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، ومعطن الإبل ، ومحجة الطريق } رواه ابن ماجه والترمذي وقال : ليس إسناده بالقوي . ورواه [ ص: 165 ] الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .

وتصح في طريق أبيات قليلة ( و ) لا تصح صلاة تعبدا أيضا على ( أسطحتها ) أي أسطحة تلك المواضع التي لا تصح الصلاة فيها ; لأن الهواء تابع للقرار لمنع الجنب من اللبث بسطح المسجد ، وحنث من حلف لا يدخل دارا بدخول سطحها ( و ) لا تصح الصلاة أيضا قصدا في ( سطح نهر ) وكذا ساباط وجسرها عليه .

قال السامري : لأن الماء لا يصلى عليه قاله ابن عقيل

وقال غيره : هو كالطريق قاله أبو المعالي وجزم ابن تميم بالصحة ، وعلم مما تقدم : صحة الصلاة في المدبغة ( سوى صلاة جنازة في مقبرة ) فتصح لصلاته صلى الله عليه وسلم على القبر فيكون مخصصا للنهي السابق ( وسوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها ) كصلاة كسوف واستسقاء ( بطريق الضرورة ) بأن ضاق المسجد أو المصلى واضطروا للصلاة في الطريق للحاجة

( و ) سوى جمعة وعيد وجنازة ونحوها بموضع ( غصب ) أي مغصوب . نص عليه في الجمعة ; لأنه إذا صلاها الإمام في الغصب وامتنع الناس من الصلاة معه فاتتهم ، ولذلك صحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة في الطريق لدعاء الحاجة إليها . وكذلك الأعياد والجنازة ( و ) سوى الصلاة ( على راحلة بطريق ) على التفصيل الآتي في الباب بعده موضحا ( وتصح ) الصلاة ( في الكل ) أي كل الأماكن المتقدمة ( لعذر ) كما لو حبس فيها ، بخلاف خوف فوت الوقت في ظاهر كلامهم ( وتكره ) الصلاة ( إليها ) لحديث أبي مرثد الغنوي مرفوعا { لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها } رواه الشيخان

وألحق بذلك باقي المواضع ، واعترض بأنه تعبدي . فلا يقاس عليه ( بلا حائل ) فإن كان حائل لم تكره الصلاة ( ولو ) كان ( كمؤخرة رحل ) كسترة المتخلي ، فلا يكفي الخط ، ويكفي حائط المسجد . قال في الفروع : ويتوجه أن مرادهم : لا يضر بعد كثير عرفا لا أثر له في مار بين يدي المصلي .

و ( لا ) تكره الصلاة ( فيما علا عن جادة المسافر يمنة ويسرة ) نصا ; لأنه ليس بمحجة ( ولو غيرت ) بالبناء للمجهول ، مواضع النهي ( بما يزيل اسمها ) كجعل حمام دارا ( أو مسجدا وصلى فيه صحت ) لزوال المانع . وكذا لو نبشت قبور غير محترمة وحول ما فيها من الموتى ، وجعلت مسجدا لقصة مسجده صلى الله عليه وسلم " ( وكمقبرة ) في الصلاة [ ص: 166 ] فيها ( مسجد حدث بها ) أي المقبرة فلا تصح الصلاة فيه ، سوى صلاة جنازة أو لعذر .

قال الآمدي : لا فرق بين المسجد القديم والحديث انتهى .

وإن حدثت القبور بعده ، حوله أو في قبلته ، كرهت الصلاة إليها بلا حائل ، وفي الهدي : لو وضع القبر والمسجد معا . لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة ا هـ . ولو حدث طريق بعد بناء المسجد صحت فيه ( ولا يصح فرض ) الصلاة ( في الكعبة ولا على ظهرها ) لقوله تعالى : { وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } والشطر : الجهة

والمصلي فيها أو على سطحها غير مستقبل لجهتها ، ولأنه يستدبر من الكعبة ما لو استقبله منها خارجها صحت ، ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها ورد صريحا في حديث ابن عمر السابق ، وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها ، لأنهما سواء في المعنى

والجدار لا أثر له إذ المقصود البقعة ; لأنه يصلي إليها حيث لا جدار ( إلا إذا وقف ) المصلي ( على منتهاها بحيث لم يبق وراءه شيء ) منها ( أو ) وقف ( خارجها ) أي الكعبة ( وسجد فيها ) فيصح فرضه ، لأنه مستقبل لطائفة من الكعبة غير مستدبر لشيء منها ، كما لو صلى إلى أحد أركانها ( وتصح نافلة ) في الكعبة وعليها .

( و ) تصح ( منذورة فيها وعليها ) ولو لم يكن بين يديه شاخص متصل بها ، لحديث ابن عمر { دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة فأغلقوا عليهم فلما فتحوا كنت أول من ولج ، فلقيت بلالا ، فسألته : هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة ؟ قال : ركعتين بين الساريتين ، عن يسارك إذا دخلت ، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين } رواه الشيخان ، ولفظه للبخاري ،

ولا يعارضه روايتهما أيضا عن أسامة ، ولا رواية البخاري عن ابن عباس { أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة } ; لأن الدخول كان مرتين ، فلم يصل في الأولى وصلى في الثانية ، كذا رواه أحمد وذكره ابن حبان في صحيحه . وألحق النذر بالنفل ،

وفي الاختيارات : النذر المطلق يحذى به حذو الفرائض ( ما لم يسجد على منتهاها ) أي الكعبة فلا تصح الصلاة مطلقا ; لأنه لم يستقبلها فيه ( ويسن نفله ) أي تنفله بالصلاة ( فيها ) أي الكعبة لما تقدم .

( و ) يسن أيضا نفله ( في الحجر ، وهو منها ) أي الكعبة نصا . لخبر عائشة ( وقدره ) أي الحجر الداخل في حدود البيت ( ستة أذرع وشيء ) فلا يصح [ ص: 167 ] استقبال ما زاد على ذلك ،

لكن يطوف من ورائه جميعه احتياطا ( ويصح التوجه إليه ) أي الحجر ( مطلقا ) أي من مكي وغيره ; لأنه من الكعبة ، وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا ( والفرض فيه ) أي الحجر ( كداخلها ) أي الكعبة ، لا يصح إلا إذا وقف على منتهاه ولم يبق وراءه شيء . أو وقف خارجه وسجد فيه كما تقدم في الكعبة .

قال أحمد : الحجر من البيت ( وتكره ) الصلاة ( بأرض الخيف ) لأنه موضع مسخوط عليه ، وكذا كل بقعة نزل بها عذاب ، كأرض بابل والحجر ومسجد الضرار ، وتكره أيضا في مقصورة تحمى نصا .

قال ابن عقيل : لأنها كانت تختص بالظلمة وقال أحمد ما سمعت في الرحى بشيء ، وتصح في أرض السباخ قال في الرعاية : مع الكراهة ، ولا تكره ( ببيعة وكنيسة ) ولو مع صور .

قال الشيخ تقي الدين : وليست ملكا لأحد وليس لهم منع من يعبد الله ، لأنا صالحناهم عليه ، ولا تكره الصلاة في مرابض الغنم . ولا بأس بالصلاة في أرض غيره ، ولو مزروعة ، أو على مصلاه بغير إذنه ، بلا غصب ولا ضرر .

التالي السابق


الخدمات العلمية