صفحة جزء
( ثم يجلس ) بعد فراغ من ثانية ( مفترشا ) كجلوس بين سجدتين ( ويضع يديه على فخذيه ) ولا يلقمهما ركبتيه ( يقبض من ) أصابع ( يمناه : الخنصر والبنصر ، ويحلق الإبهام مع الوسطى ويبسط أصابع يسراه مضمومة إلى القبلة ) ليستقبل القبلة بأطراف أصابعه .

وروي عن ابن عمر { أنه كان إذا صلى استقبل القبلة بكل شيء ، حتى بنعليه } رواه الأثرم .

وفي حديث وائل بن حجر في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم { أنه وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها ، وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام ، ورفع السبابة يشير بها } رواه أحمد وأبو داود .

وصفة التحليق : أن يجمع بين رأس الإبهام والوسطى فيشبه الحلقة من حديد ونحوه ( ثم يتشهد ) وجوبا ( سرا ) استحبابا لخبر ابن مسعود وهو في الصحيحين وغيرهما ويخففه ، ولا يستحب بدؤه بالبسملة ، ولا يكره بل تركها أولى ( فيقول : التحيات ) جمع تحية ، أي العظمة ، روي عن ابن عباس ، أو الملك والبقاء .

وعن ابن الأنباري : السلام . وجمع لأن ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة ( لله والصلوات ) قيل : الخمس ، وقيل : المعلومة في الشرع ، وقيل الرحمة . وقال الأزهري : العبادات كلها . وقيل : الأدعية ، أي هو المعبود بها ( والطيبات ) أي الأعمال الصالحة ، روي عن ابن عباس ، أو الكلام .

قال ابن الأنباري ( السلام عليك أيها النبي ) بالهمز ، من النبأ ، وهو الخبر ; لأنه ينبئ الناس ، وينبأ هو بالوحي ، وبترك الهمز تسهيلا أو من النبوة وهو الرفعة لرفعة منزلته على الخلق ( ورحمة الله وبركاته ) جمع بركة وهي النماء والزيادة .

( السلام علينا ) أي الحاضرين من إمام ومأموم وملائكة ( وعلى عباد الله [ ص: 201 ] الصالحين ) الصالح : القائم بحقوق الله تعالى وحقوق عباده ، أو الإكثار من العمل الصالح بحيث لا يعرف منه غيره ، ويدخل فيه النساء ، ومن لم يشاركه في صلاته ، لقوله : صلى الله عليه وسلم { فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض } .

قال أبو علي الدقاق : ليس شيء أشرف ، ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية ( أشهد أن لا إله إلا الله ) أي : أخبر بأني قاطع بالوحدانية ، ومن خواص الهيللة : أن حروفها كلها جوفية ، ليس فيها حرف شفوي ; لأن المراد بها الإخلاص فيأتي بها من خالص جوفه وهو القلب لا من الشفتين ،

وكل حروفها مهملة ، دالة على التجرد من كل معبود سوى الله تعالى ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) لحديث ابن مسعود قال { كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا : السلام على الله من عباده ، السلام على جبريل ، السلام على فلان . فسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله هو السلام . فإذا جلس أحدكم فليقل : التحيات } . إلى آخره ، قال ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ، فيدعو به " .

وفي لفظ { علمني النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ، كفي بين كفيه ، كما يعلمني السورة من القرآن } قال الترمذي : هو أصح حديث في التشهد .

والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين : وليس في المتفق عليه حديث غيره ، ورواه أيضا ابن عمر وجابر . وأبو هريرة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين . ويترجح بأنه اختص بأنه صلى الله عليه وسلم { أمره بأن يعلمه الناس } رواه أحمد ( ويشير بسبابة ) يده ( اليمنى ) بأن يرفعها ( من غير تحريك ) لها .

سميت بذلك لأنه يشير بها للسب . وسبابة لأنه يشير بها للتوحيد ( في تشهده ودعائه مطلقا ) ، أي : في الصلاة وغيرها ( عند ذكر ) لفظ ( الله تعالى ) لحديث عبد الله بن الزبير مرفوعا { كان يشير بأصبعه ولا يحركها إذا دعا } رواه أبو داود والنسائي .

وعن سعد بن أبي وقاص قال : { مر علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصبعي . فقال : أحد أحد وأشار بالسبابة } رواه النسائي .

وظاهر كلامهم : لا يشير بسبابة اليسرى ولا غيرها . ولو عدمت سبابة اليمنى ( ثم ينهض ) قائما ( في ) صلاة ( مغرب ورباعية ) كظهر ( مكبرا ) لأنه انتقال إلى قيام . فأشبه القيام من سجود الأولى ( ولا يرفع يديه ) لأنه لم ينقل في كثير من الروايات . ولكنه صح في بعض الطرق .

فلهذا اختاره المجد وغيره . [ ص: 202 ] وقال في المبدع : إنه الأظهر ( ويصلي الباقي ) من صلاته وهو ركعة من مغرب وركعتان من رباعية ( كذلك ) أي : كالركعة الثانية ( إلا أنه يسر ) القراءة إجماعا ( ولا يزيد على الفاتحة ) لحديث أبي قتادة وتقدم ، وعن علي " أنه كان يأمر بذلك " وكتب عمر إلى شريح يأمره به .

وروى الشالنجي بإسناده عن ابن سيرين : قال : " لا أعلمهم يختلفون أنه يقرأ في الركعتين الأولتين بفاتحة الكتاب وسورة . وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب " ولا تكره الزيادة ( ثم يجلس ) للتشهد الثاني ( متوركا ) بأن ( يفرش ) رجله ( اليسرى وينصب ) رجله ( اليمنى ويخرجهما ) أي : رجليه من تحته ( عن يمينه ، ويجعل أليتيه على الأرض ) لقول أبي حميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم { : فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض ، وأخرج قدميه من ناحية واحدة } رواه أبو داود .

وخص التشهد الأول بالافتراش والثاني بالتورك خوف السهو . ولأن الأول خفيف ، والمصلي بعده يبادر بالقيام ، بخلاف الثاني . فليس بعده عمل . بل يسن مكثه لنحو تسبيح ودعاء ( ثم يتشهد ) سرا ( التشهد الأول ، ثم يقول سرا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ) أي : على إبراهيم وآله ( إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم . إنك حميد مجيد ) .

لحديث كعب بن عجرة قال قلنا { : يا رسول الله ، قد علمنا ، أو عرفنا كيف السلام ، فكيف الصلاة ؟ قال : قولوا فذكره } متفق عليه ( أو ) يقول ( كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ) لوروده أيضا .

( و ) الصفة ( الأولى أولى ) لكون حديثها متفقا عليه . وعلم من كلامهم : أنه لو قدم الصلاة على التشهد لم يعتد بها ، لفوات الترتيب بينهما .

والجواب عن تشبيه الصلاة عليه بالصلاة على إبراهيم وآله : أن التشبيه وقع بين عطية تحصل له صلى الله عليه وسلم لم تكن حصلت له قبل الدعاء ; لأنه إنما يتعلق بمعدوم مستقبل . فهما كرجلين أعطي أحدهما ألفا والآخر ألفين ، ثم طلب لصاحب الألفين مثل ما أعطي صاحب الألف فيحصل له ثلاثة آلاف ، فلا يرد السؤال من أصله . ذكره القرافي . ولو أبدل آل بأهل لم يجز ، لمخالفة الأمر ، وتغاير المعنى ، إذ الأهل القرابة .

والآل الأتباع في الدين ( ثم يقول ندبا : أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا [ ص: 203 ] والممات ) أي : الحياة والموت ( ومن فتنة المسيح الدجال ) لحديث أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير . فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال } رواه مسلم وغيره .

والمسيح : بالحاء المهملة على المعروف ( وإن دعا ) في تشهده الأخير ( بما ورد في الكتاب ) أي : القرآن نحو { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } فلا بأس ( أو ) دعا بما ورد في ( السنة ) نحو { اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ، ولا يغفر الذنب إلا أنت . فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم } متفق عليه من حديث الصديق ، قال للنبي صلى الله عليه وسلم { علمني دعاء أدعو به } .

قال قل - فذكره " ( أو ) دعا بما ( ورد عن الصحابة ) كحديث ابن مسعود موقوفا وذهب إليه أحمد قال ابنه عبد الله : سمعت أبي يقول في سجوده : " اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك ، فصن وجهي عن المسألة لغيرك " ( أو ) دعا بما ورد عن ( السلف ) الصالح فلا باس ( أو ) دعا ( بأمر الآخرة ) اللهم أحسن خاتمتي ( ولو لم يشبه ما ورد ) مما سبق فلا باس ، لحديث أبي هريرة مرفوعا ( ثم يدعو لنفسه بما بدا له ) ( أو ) دعا ( لشخص معين بغير كاف الخطاب ) كما كان أحمد يدعو لجماعة في الصلاة ، منهم الشافعي رضي الله تعالى عنه ( وتبطل ) الصلاة ( به ) أي : بالدعاء بكاف الخطاب ، كما لو خاطب آدميا بغير الدعاء ( فلا باس ) لعموم حديث أبي هريرة السابق .

وقوله صلى الله عليه وسلم { : أما السجود فكثروا فيه الدعاء } ولم يعين لهم ما يدعون به ، فدل على أنه أباح لهم جميع الدعاء ، إلا ما خرج منه بدليل . ولقوله صلى الله عليه وسلم { : اللهم أنج الوليد بن الوليد ومسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة } ولا تبطل أيضا بقول : لعنه الله ، عند ذكر الشيطان ، ولا بتعويذ نفسه بقرآن لحمى ، ونحوها .

ولا يقول : بسم الله للدغ العقرب ونحوه ، أو لو جمع مريض عند قيام وانحطاط ، وعلم من قوله : أو بأمر الآخرة : أنه ليس له الدعاء بما يقصد منه ملاذ الدنيا وشهواتها ، كاللهم ارزقني جارية حسناء ، أو طعاما طيبا ، أو بستانا أنيقا ، فتبطل به . لحديث { إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن } رواه مسلم ( ما لم يشق ) إمام بالدعاء ( على مأموم ; ، أو يخف ) [ ص: 204 ] مصل بدعائه ( سهوا ) بإطالته فيتركه .

( وكذا ) أي : كالدعاء في التشهد الأخير الدعاء في ( ركوع وسجود ونحوهما ) كقنوت ، واستحب في المغني وغيره : إكثار الدعاء في السجود ، للخبر ( ثم يقول ) وجوبا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ( عن يمينه ) استحبابا ( ثم ) يقول ( عن يساره ) كذلك : ( السلام عليكم ورحمة الله ) لحديث سعد بن أبي وقاص قال { : كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره ، حتى يرى بياض خده } رواه مسلم . ( مرتبا ، معرفا ) بأل ( وجوبا ) فلا يجزئ : سلام عليكم ، ولا سلامي عليكم ، ولا سلام الله عليكم ولا عليكم السلام ، ولا السلام عليهم . لأن الأحاديث قد صحت بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : " السلام عليكم " ولم ينقل عنه خلافه . وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } فإن تعمد قولا مما ذكر . بطلت صلاته ، لأنه يغير الوارد ، ويخل بحرف يقتضي الاستغراق .

( وسن التفاته عن يساره أكثر ) من التفاته عن يمينه ، لحديث عمار مرفوعا { كان يسلم عن يمينه ، حتى يرى بياض خده الأيمن ، وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر } رواه يحيى بن محمد بن صاعد بإسناده .

( و ) سن أيضا ( حذف السلام ) لقول أبي هريرة " حذف السلام سنة " .

وروي مرفوعا ، رواه الترمذي وصححه . ( وهو ) أي : حذف السلام ( أن لا يطوله ولا يمده في الصلاة ولا على الناس ) إذا سلم عليهم ، لعموم ما سبق .

( و ) سن أيضا ( جزمه ) أي : السلام لقول النخعي : " السلام جزم ، والتكبير جزم " ( بأن يقف على آخر كل تسليمة ) إذ الجزم لغة القطع ، أي : قطع إعرابه بتسكين آخره .

( و ) سن أيضا ( نيته ) أي : المصلي ( به ) أي : السلام ( الخروج من الصلاة ) لتكون النية شاملة لطرفي الصلاة ، ولا يجب ، لأن النية شملت جميع الصلاة ، وإن نوى به الخروج من الصلاة مع السلام على الحفظة والإمام والمأموم جاز ، ولا يستحب نصا .

وكذا لو نوى ذلك دون الخروج من الصلاة ( ولا يجزئ إن لم يقل : ورحمة الله ) في غير جنازة ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله ، أي : في التشهد ، وهو سلام في صلاة ، ورد مقرونا بالرحمة فلم يجز بدونها كالسلام ( والأولى : أن لا يزيد وبركاته ) لعدم وروده في أكثر الأخبار ، لكنه لا يضر ، لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود من حديث وائل ( وأنثى كرجل ، حتى في رفع اليدين ) لشمول الخطاب لها في قوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 205 ] { : صلوا كما رأيتموني أصلي } ولأن أم سلمة كانت ترفع يديها .

رواه سعيد عن أم الدرداء ( لكن تجمع نفسها في نحو ركوع وسجود ; فلا يسن لها التجافي ) لحديث زيد بن حبيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان ، فقال : إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض ، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل } رواه أبو داود في مراسيله ، ولأنها عورة ، فالأليق بها الانضمام ( وتجلس ) امرأة ( مسدلة رجليها عن يمينها وهو أفضل ) من تربعها ، لأنه غالب جلوس عائشة رضي الله عنها وأشبه بجلسة الرجل ، وأبلغ في الإكمال والضم ، وأسهل عليها ( أو ) تجلس ( متربعة ) لأن ابن عمر كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة ( وتسر ) وجوبا ( بالقراءة إن سمعها أجنبي ) خشية الفتنة بها ( والخنثى كأنثى ) فيما تقدم احتياطا .

التالي السابق


الخدمات العلمية