صفحة جزء
العفو عن القصاص العفو المحو والتجاوز والإسقاط ( وأجمعوا على جوازه ويجب بعمد ) عدوان ( القود أو الدية فيخير الولي ) أي ولي الجناية ( بينهما لحديث أبي هريرة مرفوعا ) " { من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى وإما أن يقاد } " رواه الجماعة إلا الترمذي . وعن أبي شريح الخزاعي مرفوعا " { من أصيب بدم أو خبل - والخبل بالخاء المعجمة والباء الموحدة الجراح - فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو ، فإن أراد أربعة فخذوا على يديه } " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ( وعفوه ) أي الولي ( مجانا أفضل ) لقوله تعالى : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } ولحديث أبي هريرة مرفوعا " { ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا } " رواه أحمد ومسلم والترمذي . ويصح عفو بلفظ الصدقة وكل ما أدى معناه ; لأنه إسقاط ( ثم لا تعزير على جان ) بعد عفو ; لأن عليه حقا واحدا وقد سقط كعفو عن دية خطأ ( فإن اختار الولي القود ) فله أخذها ، والصلح على أكثر منها ; لأن القصاص أعلى فلا يمتنع عليه الانتقال إلى الأدنى ، وتكون الدية [ ص: 279 ] بدلا عن القصاص .

( أو عفا ) الولي ( عن الدية فقط ) أي دون القصاص ( فله أخذها ، والصلح على أكثر منها ) ; لأنه لم يعف مطلقا وليست هذه الدية هي الواجبة بالقتل بل بدل عن القصاص ( وإن اختارها ) ابتداء ( تعينت ) وسقط القصاص ( فلو قتله ) ولي الجناية ( بعد ) اختياره الدية ( قتل به ) لسقوط حقه من القصاص بعفوه عنه ( وإن عفا مطلقا ) فلم يقيد بقصاص ولا دية فله الدية ( أو ) عفا ( على غير مال ) كخمر وخنزير فله الدية ( أو ) عفا ( عن القود مطلقا ) فقال عفوت عن القود ولم يقل على مال أو بلا مال . ( ولو ) كان العفو ( عن يده ) أي العافي ( فله الدية ) لانصراف العفو إلى القصاص دون الدية ; لأن العفو عن القصاص هو المطلوب الأعظم في باب القود إذ المقصود منه التشفي فانصرف العفو المطلق إليه ; لأنه في مقابلة الانتقام ، وهو إنما يكون بالقتل لا بالمال فتبقى الدية على أصلها ; لأنها تثبت في كل موضع امتنع فيه القتل .

( ولو هلك جان ) عمدا ( تعينت ) الدية ( في ماله ) لتعذر استيفاء القود ( كتعذره ) أي القود ( في طرفه ) أي الجاني بأن قطع يدا وتعذر قطع يده لشللها أو إذهابها ونحوه فإن لم يخلف جان عمدا تركة ضاع حق المجني عليه ( ومن قطع طرفا عمدا كإصبع فعفا عنه ) المجني عليه ( ثم سرت ) الجناية ( إلى عضو آخر كبقية اليد أو ) سرت ( إلى النفس ، والعفو على مال أو على غير مال ) كخمر ( ف ) لا قصاص .

و ( له ) أي المجني عليه ( تمام دية ما سرت إليه ) من يد أو نفس ( ولو مع موت جان ) فيكفي أرش ما عفا عنه ( وإن ادعى ) جان أو وارثه ( عفوه ) أي المجني عليه ( عن قود ومال أو ) ادعى عفوه ( عنها ) أي الجناية ( وعن سرايتها فقال ) مجني عليه في الأولى ( بل ) عفوت ( إلى مال أو ) قال في الثانية بل عفوت عنها ( دون سرايتها فقول عاف بيمينه ) ; لأن الأصل عدم العفو عن الجميع فلا يثبت العفو عما لم يقر به وكذا إن اختلف ولي مجني عليه مع جان .

( ومتى قتله ) أي العافي ( جان قبل برء ) الجرح الذي جرحه . ( وقد عفا ) مجني عليه ( على مال ف ) لولي عاف ( القود أو الدية كاملة ) يخير بينهما ; لأن القتل انفرد عن القطع فعفوه عن القطع لا يمنع ما وجب بالقتل كما لو كان القاطع غيره ( ومن وكل في ) استيفاء ( قود ثم عفا ) موكل عن قود وكل فيه ( ولم يعلم وكيله ) بعفوه ( حتى اقتص فلا شيء عليهما ) .

أما الوكيل فلأنه لا [ ص: 280 ] تفريط منه لحصول العفو على وجه لا يمكن الوكيل استدراكه أشبه ما لو عفا بعد ما رماه وأما الموكل فلأنه محسن بالعفو وقال تعالى : { ما على المحسنين من سبيل } فإن علم الوكيل فعليه القصاص ( وإن عفا مجروح عمدا أو خطأ عن قود نفسه أو ديتها صح ) عفوه لإسقاطه حقه بعد انعقاد سببه ، ولأن الجناية عليه فصح عفوه عنها كسائر حقوقه و ( ك ) عفو ( وارثه ) عن ذلك ( فلو قال ) مجروح ( عفوت عن هذا الجرح أو ) قال عفوت عن هذه ( الضربة فلا شيء في سرايتها ولو لم يقل وما يحدث منها ) إذ السراية تبع للجناية فحيث لم يجب بها شيء لم يجب بسرايتها بالأولى ( كما لو قال عفوت عن الجناية ) فلا شيء في سرايتها .

ولو قال أردت بالجناية الجراحة دون سرايتها ; لأن لفظ الجناية تدخل فيه الجراحة وسرايتها ; لأنها جناية واحدة ( بخلاف عفوه ) أي المجروح ( على مال أو عن القود فقط ) بأن قال عفوت على مال أو عفوت عن القود فلا يبرأ جان من السراية لعدم ما يقتضي براءته منها ( ويصح قول مجروح أبرأتك ) من دمي أو قتلي معلقا بموته .

( و ) قوله ( أحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك ) أي دمي أو قتلي ( ونحوه ) كجعلت لك دمي أو قتلي أو تصدقت به عليك ( معلقا بموته ) ; لأنه وصية فإن مات من الجراحة برئ منه ( فلو عوفي بقي حقه ) من قصاص أو دية ; لأن لفظه لم يتضمن الجراح ولم يتعرض له وإنما اقتضى موجب القتل فبقي موجب الجرح بحاله ( بخلاف عفوت عنك ونحوه ) كعفوت عن جنايتك لتضمنه الجناية وسرايتها .

( ولا يصح عفوه ) أي المجني عليه ( عن قود شجة لا قود فيها ) كالمنقلة والمأمومة ; لأنه عفو عما لم يجب ولا انعقد سبب وجوبه أشبه الإبراء من الدين قبل وجوبه ( فلوليه ) أي المشجوج ( مع سرايتها ) أي الشجة ( القود أو الدية ) كما لو لم يعف . ( وكل عفو صححناه من مجروح مجانا مما يوجب المال عينا ) كالخطأ وشبه العمد ونحو الجائفة ( فإنه إذا مات ) العافي ( يعتبر ) ما عفا عنه ( من الثلث ) أي ثلث التركة فينفذ إن كان قدر الثلث فأقل وإن زاد فبقدره لإبرائه من مال بعد ثبوته في مرض اتصل به الموت أشبه الدين ( وينقض العفو ) عما يوجب المال عينا من مجروح إذا مات ( للدين المستغرق ) للتركة كالوصية ( وإن أوجب ) ما عفا عنه مجروح ثم مات ( قود أنفذ من أصل التركة [ ص: 281 ] ولو لم تكن ) التركة ( سوى دمه ) نصا لعدم تعين المال فإذا سقط القود لم يلزمه إثبات المال كقبول الهبة والوصية .

( ومثله العفو عن قود بلا مال من محجور عليه لسفه أو فلس أو من الورثة مع دين مستغرق ) للتركة ويصح ; لأن الدية لم تتعين .

( ومن قال لمن له عليه قود في نفس أو ) قود في ( طرف : عفوت عن جنايتك أو ) عفوت ( عنك برئ من قود ودية ) لتناول عفوه لهما ( وإن أبرئ بالبناء للمفعول قاتل من دية واجبة على عاقلته ) أي القاتل لم يصح ( أو ) أبرئ ( قن من جناية يتعلق أرشها برقبته ) أي القن ( لم يصح ) الإبراء لوقوعه على غير من عليه الحق كإبراء عمرو من دين زيد . ( وإن أبرئت ) بالبناء للمفعول ( عاقلته ) أي القاتل من دية واجبة عليها صح ( أو ) أبرئ ( سيده ) أي القن الجاني من جناية يتعلق أرشها برقبته صح .

( أو قال ) مجني عليه ( عفوت عن هذه الجناية ولم يسم المبرأ ) من قاتل أو عاقلة أو سيد ( صح ) الإبراء لانصرافه إلى من عليه الحق ( وإن وجب لقن قود أو ) وجب له ( تعزير قذف ) ونحوه ( فله ) أي القن ( طلبه و ) له ( إسقاطه ) لاختصاصه به دون سيده ; لأنه لا يستحقه ما دام القن حيا وليس له إسقاط المال ( فإن مات ) القن ( فلسيده ) طلبه وإسقاطه كالوارث ; لأنه أحق به ممن ليس له فيه ملك .

التالي السابق


الخدمات العلمية