صفحة جزء
فصل في الإمامة ( الأولى بالإمامة الأجود قراءة الأفقه ) لجمعه بين المرتبتين في القراءة والفقه ( ثم ) يليه ( الأجود قراءة الفقيه ) لحديث { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى } " ( ثم ) يليه ( الأقرأ ) جودة وإن لم يكن فقيها إن كان يعرف فقه صلاته ، حافظا [ ص: 270 ] للفاتحة ، للحديث المذكور .

وحديث ابن عباس { ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم أقرؤكم } " رواه أبو داود وأجاب أحمد عن قضية تقديم أبي بكر : بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدمه على من هو أقرأ منه لتفهم الصحابة من تقديمه في الإمامة الصغرى استحقاقه للإمامة الكبرى وتقديمه فيها على غيره .

وإنما قدم الأقرأ جودة على الأكثر قرآنا لأنه أعظم أجرا ، لحديث { من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة } " رواه الترمذي وقال : حسن صحيح

وقال أبو بكر وعمر : رضي الله عنهما إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه ( ثم ) مع الاستواء في الجودة يقدم ( الأكثر قرآنا الأفقه ) لجمعه الفضيلتين ( ثم ) يليه ( الأكثر قرآنا الفقيه ثم ) يليه ( قارئ ) أي : حافظ لما يجب في الصلاة ( أفقه ثم ) يليه ( قارئ فقيه ثم قارئ عالم فقه صلاته من شروطها وأركانها ) وواجباتها ومبطلاتها ونحوها ( ثم قارئ لا يعلمه ) أي : فقه صلاته ، بل يأتي بها عادة .

فتصح إمامته ( ثم ) إن استووا في عدم القراءة قدم ( أفقه وأعلم بأحكام الصلاة ) لمزية الفقه ( ثم ) إن استووا في القراءة والفقه ، فالأولى ( أسن ) أي : أكبر لحديث مالك بن الحويرث مرفوعا { إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم } " متفق عليه ولأنه أقرب إلى الخشوع ، وإجابة الدعاء .

وظاهر كلام أحمد : تقديم الأقدم هجرة على الأسن وصححه الشارح وقدمه في الكافي .

قال الزركشي : اختاره الشيخان انتهى . وجزم به جمع لحديث أبي مسعود البدري ( ثم ) مع الاستواء في السن أيضا ( أشرف وهو القرشي ) إلحاقا للإمامة الصغرى بالكبرى ، { ولقوله صلى الله عليه وسلم : الأئمة من قريش } " وقوله { : قدموا قريشا ولا تقدموها } ( فتقدم بنو هاشم ) على غيرهم ، لمزيتهم بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم ) باقي ( قريش .

ثم ) مع الاستواء في الشرف أيضا ( الأقدم هجرة بنفسه لا بآبائه ) لحديث أبي مسعود البدري مرفوعا { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم سنا ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه } .

" رواه مسلم [ ص: 271 ] ( وسبق بإسلام ك ) سبق ( بهجرة ) فيقدم مع الاستواء فيما تقدم السابق إسلاما ممن أسلم بدار إسلام وإلا فالسابق إلينا هجرة كما في الشرح وظاهره : ولو مسبوقا في الإسلام لأنه أسبق إلى الطاعة .

وفي حديث ابن مسعود في رواية لأحمد ومسلم { فأقدمهما سلما أي : إسلاما } ( ثم ) مع الاستواء فيما تقدم ( الأتقى والأورع ) لقوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } " ولأن مقصود الصلاة الخضوع ، ورجاء إجابة الدعاء .

والأتقى والأورع أقرب إلى ذلك ، لا سيما والدعاء للمأمومين من باب الشفاعة المستدعية كرامة الشافع عند المشفوع عنده .

قال القشيري في رسالته : الورع اجتناب الشبهات ، زاد القاضي عياض في المشارق : خوفا من الله تعالى ( ثم يقرع ) إن استووا في كل ما تقدم وتشاحوا فمن قرع صاحبه فهو أحق .

قياسا على الأذان ( وصاحب البيت ) الصالح للإمامة ولو عبدا أحق بالإمامة ممن حضر ، في بيته لقوله : صلى الله عليه وسلم : { لا يؤمن الرجل الرجل في بيته } " ولأبي داود عن مالك بن الحويرث مرفوعا { من زار قوما فلا يؤمهم ، وليؤمهم رجل منهم } ( وإمام المسجد ) الراتب الصالح للإمامة ( ولو ) كان ( عبدا أحق ) بالإمامة فيه ، ولو حضر أفقه ، أو أقرأ كصاحب البيت .

ولأن ابن عمر أتى أرضا له ، وعندها مسجد يصلي فيه مولى له فصلى ابن عمر معهم فسألوه أن يؤمهم ، فأبى وقال : " صاحب المسجد أحق " رواه البيهقي بسند جيد ولأن التقدم عليه يسيء الظن به وينفر عنه .

قال في الفروع : ويتجه يستحب تقديمهما لأفضل منهما ( إلا من ذي سلطان فيهما ) فيقدم ذو سلطان على صاحب بيت ، وإمام المسجد { لقوله : صلى الله عليه وسلم : ولا في سلطانه و أم النبي صلى الله عليه وسلم عتبان بن مالك وأنسا في بيوتهما } " ولعموم ولايته ( و ) إلا العبد فليس أولى من ( سيده في بيته ) بل السيد لولايته على صاحب البيت .

ولا تكره إمامة عبد في غير جمعة وعيد ( وحر أولى ) بإمامة ( من عبد و ) من ( مبعض ) لأنه أكمل وأشرف ( وهو ) أي : المبعض وكذا المكاتب ( أولى من عبد ) لأن فيه بعض أكملية وأشرفية ( وحاضر ) أي : مقيم ، أولى من مسافر سفر قصر ، لأنه ربما قصر ففات المأمومين بعض الصلاة جماعة .

ولا تكره إمامة مسافر بمقيمين ، إن قصر فإن أتم كرهت [ ص: 272 ] ( وبصير ) ، أولى من أعمى لأنه يقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة ( وحضري ) وهو الناشئ بالمدن والقرى أولى من بدوي وهو الناشئ بالبادية ، لأن الغالب على أهل البادية الجفاء ، وقلة المعرفة بحدود أحكام الصلاة .

قال تعالى ، في حق الأعراب { وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } " وذلك لبعدهم عمن يتعلمون منه ( ومتوضئ ) ، أولى من متيمم لأن الوضوء يرفع الحدث ، بخلاف التيمم ( ومعير ) ، أولى من مستعير في البيت المعار لملكه مع المستعير ( ومستأجر ) ، أولى من مؤجر في البيت المؤجر لأنه المالك لمنفعته وذلك معنى قوله ( أولى من ضدهم ) المتقدم بيانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية