صفحة جزء
[ ص: 443 ] فصل

ولوجوب الكفارة باليمين ( أربعة شروط . أحدها : قصد عقد اليمين ) لقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } ( فلا تنعقد ) اليمين ( لغوا بأن سبقت ) أي : اليمين ( على لسانه ) أي : الحالف ( بلا قصد كقوله : لا والله و بلى والله في عرض حديثه ) فلا كفارة فيها لحديث عائشة مرفوعا { اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله } رواه أبو داود ورواه البخاري وغيره موقوفا والعرض بالضم الجانب وبالفتح خلاف الطول ( ولا ) تنعقد اليمين ( من نائم وصغير ومجنون ونحوه ) كمغمى عليه ومعتوه لأنه لا قصد لهم . الشرط ( الثاني كونها ) أي : اليمين ( على مستقبل ممكن ) ليتأتى بره وحنثه بخلاف الماضي وغير الممكن ( فلا تنعقد ) اليمين بحلف ( على ماض كاذبا عالما به ) أي : بكذبه ( وهي ) أي : اليمين ( الغموس ) سميت به ( لغمسه ) أي : الحالف بها ( في الإثم ثم في النار ) أي : لترتب ذلك عليها ( أو ) على ماض ( ظانا صدق نفسه فيتبين بخلافه ) أي : خلاف ظنه فلا كفارة حكاه ابن عبد البر إجماعا لقوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وهذا منه ; لأنه يكثر فلو وجبت به كفارة لشق وحصل الضرر وهو منتف شرعا .

( ولا ) ينعقد يمين علق الحنث فيها ( على وجود فعل مستحيل لذاته كشرب ماء الكوز ) كقول والله لا شربت ماء الكوز أو علي يمين إن شربت ماء الكوز .

( و ) الحال أنه ( لا ماء فيه ) أي : الكوز وكذا لا جمعت بين الضدين أو رددت أمس ونحوه ( أو ) على وجود فعل مستحيل ( لغيره ) بأن يكون مستحيلا عادة ( كقتل الميت أو إحيائه ) كقوله : والله لأقتلن فلانا الميت أو لأحيينه ونحوه أو لا طرت أو لا صعدت السماء أو لا قلبت الحجر ذهبا ( وتنعقد ) اليمين بحلف ( على عدمه ) أي : المستحيل لذات أو عادة كقوله : والله لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه أو لأرددن أمس أو لأقتلن فلانا الميت أو إن لم أفعل ذلك ونحوه ( وتجب الكفارة ) عليه بذلك ( في الحال ) لاستحالة البر في المستحيل .

( و ) كذا ( كل ) مقالة ( مكفرة ) بفتح الفاء المشددة أي : تدخلها الكفارة كالظهار وقوله هو يهودي أو بريء من الإسلام أو نحوه ( كيمين بالله ) فيما سبق تفصيله . الشرط ( الثالث كون حالف مختارا ) لليمين ( فلا تنعقد من مكره عليها ) لحديث [ ص: 444 ] { رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه } . الشرط ( الرابع الحنث بفعل ما حلف على تركه أو بترك ما حلف على فعله ) فإن لم يحنث فلا كفارة . لأنه لم يهتك حرمة القسم ( ولو كان فعل ما حلف على تركه وترك ما حلف على فعله محرمين ) كمن حلف على ترك الخمر فشربها أو صلاة فرض فتركها فيكفر لوجود الحنث .

و ( لا ) حنث إن خالف ما حلف عليه ( مكرها ) فمن حلف لا يدخل دارا فحمل مكرها فأدخلها لم يحنث لأن فعل المكره لا ينسب إليه للخبر ( أو ) خالفه ( جاهلا أو ناسيا ) كما لو دخل في المثال ناسيا ليمينه أو جاهلا أنها المحلوف عليها فلا كفارة لأنه غير آثم للخبر وكذا إن فعله مجنونا ( ومن استثنى فيم يكفر ) بالبناء للمفعول أي تدخله الكفارة ( كيمين بالله تعالى ونذر وظهار ونحوه ) كهو يهودي أو برئ من الإسلام إن فعل كذا ونحوه ( ب ) قوله متعلق ب استثنى ( إن شاء ) الله ( أو ) بقوله إن ( أراد الله أو ) بقوله ( إلا أن يشاء الله وقصد ذلك ) أي : تعليق الفعل على مشيئة الله تعالى أو إرادته بخلاف من قال تبركا أو سبق به لسانه بلا قصد ( واتصل ) استثناؤه بيمينه ( لفظا ) بأن لم يفصل بينهما بسكوت ولا غيره ( أو ) اتصل ( حكما كقطع بتنفس أو سعال أو نحوه ) كعطس ( لم يحنث فعل ) ما حلف على فعله ( أو تركه ) لحديث أبي هريرة مرفوعا { من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث } رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال فله ثنياه وعن ابن عمر مرفوعا { من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه } رواه الخمسة إلا أبا داود ولأن الأشياء كلها بمشيئة الله تعالى فمن قال . لا أفعل إن شاء الله وفعل علم أنه تعالى لم يشأ تركه وإذا قال لا أفعلن إن شاء الله ولم يفعل علم أنه تعالى لم يشأ فعله وهو إنما حلف على الفعل على تقدير المشيئة ولم توجد واشتراط الاتصال لقوله صلى الله عليه وسلم { من حلف على يمين فقال إن شاء الله } والفاء للتعقيب وكالاستثناء بإلا وأخواتها .

( ويعتبر نطق غير مظلوم خائف ) بأن لا يلفظ بالاستثناء نصا لقوله صلى الله عليه وسلم " فقال " والقول باللسان وأما المظلوم الخائف فتكفيه نيته لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول ( و ) يعتبر ( قصد الاستثناء قبل تمام مستثنى منه أو بعده ) أي : بعد تمام مستثنى منه ( قبل فراغه ) من كلامه لحديث { إنما الأعمال بالنيات } ( ومن شك فيه ) أي : الاستثناء بأن لم يدر أتى به أو لا ( فكمن لم يستثن ) لأن الأصل [ ص: 445 ] عدمه ( وإن حلف ليفعلن شيئا وعين وقتا ) لفعله كلأعطين زيدا درهما يوم كذا أو سنة كذا ( تعين ) ذلك الوقت لذلك الفعل فإن فعله فيه وإلا حنث لأنه مقتضى يمينه ( وإلا ) يعين للفعل وقتا بأن قال لأعطين زيدا درهما ( لم يحنث حتى ييأس من فعله ) الذي حلف عليه ( بتلف محلوف عليه أو موت حالف أو نحوهما ) لقول عمر : { يا رسول الله ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرتك أنك آتيه العام ؟ قال : لا ، قال : فإنك آتيه وتطوف به } ولأنه لم يوقت عليه بوقت معين وفعله ممكن في كل وقت فلا تتحقق مخالفة اليمين إلا باليأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية