صفحة جزء
( الثالث حضورهم ) أي الأربعين من أهل وجوبها ( الخطبة ) والصلاة ( ولو كان فيهم خرس ) والخطيب ناطق ( أو ) كان فيهم ( صم ) لوجود الشروط ( لا كلهم ) أي إن كانوا كلهم خرسا حتى الخطيب ، أو كانوا كلهم صما لم تصح جمعتهم لفوات الخطبة صورة في الأولى ، وفوات المقصود منها في الثانية .

( فإن نقصوا ) أي الأربعون ( قبل إتمامها ) أي الجمعة ( استأنفوا ظهرا ) نصا لأن العدد شرط فاعتبر في جميعها ، كالطهارة والمسبوق إنما صحت منه تبعا لصحتها ممن لم يحضر الخطبة ( إن لم تمكن إعادتها ) جمعة بشروطها فإن أمكنت وجبت لأنها فرض الوقت ( وإن بقي ، العدد ) أي الأربعون بعد انفضاض بعضهم .

( ولو ) كان الباقون ( ممن لم يسمع الخطبة ولحقوا بهم ) أي بمن كان مع الإمام ( قبل نقصهم أتموا جمعة ) لوجود الشرط كبقائه من السامعين وإن لحقوا بعد النقص فإن أمكن استئناف الجمعة وإلا صلوا ظهرا ( وإن رأى الإمام وحده ) أي دون المأمومين اعتبار ( العدد فنقص ) العدد .

( لم يجز ) للإمام ( أن يؤمهم ) لاعتقاده البطلان ( ولزمه أن يستخلف أحدهم ) ليصلي بهم لأن الواجب عليهم لا يتم إلا بذلك ( وبالعكس ) بأن رأى المأمومون العدد وحدهم ( لا تلزم ) الجمعة ( واحدا منهما ) أي لا من الإمام ، ولا المأمومين لأنهم لا يعتقدون صحتها .

( ولو أمره ) أي إمام الجمعة ( السلطان أن لا يصلي إلا بأربعين لم يجز ) له من حيث الولاية أن يصلي ( بأقل ) من أربعين ، ولو اعتقد صحتها بدونها ( ولا ) يملك ( أن يستخلف ) لقصر ولايته ( بخلاف التكبير الزائد ) في صلاة العيدين والاستسقاء ، فله أن يعمل فيه برأيه ( وبالعكس ) بأن أمره السلطان أن لا يصلي بأربعين ( الولاية باطلة ) لتعذرها من جهة الإمام ( ولو لم يروها ) أي الجمعة ، أي وجوبها ( قوم بوطن مسكون ) لنقصهم عن الأربعين مثلا ( فللمحتسب أمرهم برأيه ) أي اعتقاده ( بها ) لئلا يظن الصغير أنها تسقط مع زيادة العدد ،

ولهذا قال أحمد : يصليها مع بر وفاجر ، مع اعتبار عدالة الإمام ( ومن في وقتها ) أي الجمعة [ ص: 314 ] ( أحرم ) بها ( وأدرك مع الإمام منها ركعة ) قال في شرحه : بسجدتيها ( أتم جمعة ) رواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عمر . وعن أبي هريرة مرفوعا { من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة } رواه الأثرم ( وإلا ) بأن لم يحرم في الوقت ، بل بعده .

ولو أدرك الركعتين أو فيه ، ولم يدرك مع الإمام من الجمعة ركعة بسجدتيها ( ف ) إنه يتم ( ظهرا ) لمفهوم الخبر السابق ولأن الجمعة لا تقضى ( إن دخل وقته ) أي الظهر ( ونواه ) عند إحرامه ( وإلا ) بأن لم يدخل ولم ينوه ، بل نوى جمعة ( ف ) إنه يتم صلاته ( نفلا ) أما في الأولى : فكمن أحرم بفرض فبان قبل وقته .

وأما الثانية ، فلحديث { إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى } ولأن الظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء فكذا استدامة ، وكالظهر مع العصر ( ومن أحرم معه ) أي الإمام ( ثم زحم ) عن سجود بأرض ( لزمه السجود ) مع إمامه ولو ( على ظهر إنسان أو رجله ) لقول عمر " إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه " رواه أبو داود الطيالسي وسعيد ، كالمريض يأتي بما يمكنه .

ويصح وإن احتاج إلى موضع يديه ورجليه لم يجز وضعهما على ظهر إنسان ذكره في الإقناع ( فإن لم يمكنه ) السجود على ظهر إنسان أو رجله ( فإذا زال الزحام ) سجد بالأرض ، ولحق إمامه ، كما في صلاة الخوف للعذر .

وهو موجود هنا ( إلا أن يخاف ) بسجود بالأرض بعد زوال الزحام ( فوت ) الركعة ( الثانية ) مع الإمام ، فإن خافه ( ف ) إنه ( يتابعه ) أي الإمام ( فيها ) أي في الركعة الثانية ، كالمسبوق ( وتصير ) ثانية الإمام ( أولاه ) أي المأموم يبني عليها ( ويتمها جمعة ) لأنه أدرك مع الإمام منها ركعة وتقدم : لو زال عذره وقد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع .

وتتم له ركعة ملفقة يدرك بها الجمعة ( فإن لم يتابعه ) المأموم المزحوم في الثانية مع خوف فوتها ( عالما بتحريمه بطلت ) صلاته لتركه واجب المتابعة بلا عذر ( وإن جهله ) أي تحريم عدم متابعته ( فسجد ) سجدتي الركعة الأولى ( ثم أدركه ) أي الإمام في التشهد ( أتى بركعة ) ثانية ( بعد سلامه ) أي الإمام ، لأنه أتى بسجود معتد به للعذر ( وصحت جمعته ) قال في شرحه : لأنه أدرك مع الإمام منها ما تدرك به الجمعة وهو ركعة ، وهذا المذهب انتهى أي لأنه [ ص: 315 ] لم يفارقه إلا بعد ركعة ، وسجوده لنفسه في حكم ما أتى به مع إمامه ، لبقائه على نية الإتمام ، كما يعلم مما سبق في الخوف ( وكذا ) أي كالتخلف عن الإمام لزحام ( لو تخلف ) عنه ( لمرض أو نوم أو سهو ونحوه ) كجهل وجوب متابعته .

وإن زحم عن جلوس لتشهد فقال ابن حامد : يأتي به قائما ويجزئه وقال ابن تميم : الأولى انتظار زوال الزحام قال في الإنصاف : وقدمه في الرعاية ( الرابع تقدم خطبتين ) أي خطبتان متقدمتان لقوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } الآية والذكر هو الخطبة والأمر بالسعي إليه دليل وجوبه ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك قال ابن عمر { كان صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس } ( بدل ركعتين ) .

متفق عليه لقول عمر وعائشة " قصرت الصلاة من أجل الخطبة " ( لا ) أن الخطبتين بدل ركعتين ( من الظهر ) لأن الجمعة ليست بدلا عن الظهر ، بل مستقلة كما تقدم ، الأول ( من شروطهما ) أي الخطبتين أي مما تتوقف عليه صحتهما وإن كان منهما لما يأتي ( الوقت ) فلا تصح واحدة منهما قبله لأنهما بدل ركعتين كما تقدم .

( وأن يصح أن يؤم فيها ) أي الجمعة فلا تصح خطبة من لا تجب عليه بنفسه كعبد ومسافر ولو أقام لعلم أو شغل بلا استيطان لما تقدم ( وحمد الله تعالى ) أي قول : " الحمد لله " لحديث ابن مسعود { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال : الحمد لله } رواه أبو داود وله أيضا عن أبي هريرة مرفوعا { كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم } .

( والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ) لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم كالأذان ويتعين لفظ الصلاة لا السلام ( وقراءة آية ) كاملة لحديث جابر بن سمرة { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الآيات ويذكر الناس } رواه مسلم ولأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين فوجبت فيهما القراءة كالصلاة

ولا تجزئ آية لا تستقل بمعنى أو حكم نحو " ثم نظر " أو " مدهامتان " ذكره أبو المعالي ، وتجزيء القراءة ( ولو ) كان الخاطب ( جنبا مع تحريمها ) أي القراءة ( والوصية بتقوى الله تعالى ) لأنها المقصودة من الخطبة فلم يجز الإخلال بها وتعتبر هذه الشروط ( في كل خطبة ) من الخطبتين ،

فلو قرأ من القرآن ما يتضمن الحمد والموعظة وصلى عليه صلى الله عليه وسلم في كل خطبة كفى قال في التلخيص : لا يتعين لفظها أي الوصية ، [ ص: 316 ] وأقلها : اتقوا الله ، وأطيعوا الله ونحوه ( وموالاة جميعهما ) أي الخطبتين ( مع الصلاة ) تشترط الموالاة بين أجزاء الخطبتين ، وبينهما وبين الصلاة لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه .

وقال { صلوا كما رأيتموني أصلي } ( والنية ) لحديث { إنما الأعمال بالنيات } ( والجهر ) بالخطبتين ( بحيث يسمع العدد المعتبر ) للجمعة ( حيث لا مانع ) لهم من سماعه ، كنوم أو غفلة أو صمم بعضهم ، فإن لم يسمعوا لخفض صوته أو بعدهم عنه ونحوه لم تصح لعدم حصول المقصود ( وسائر ) أي باقي ( شروط الجمعة ) ككون العدد المعتبر فيها مستوطنين حين الخطبة فلو كانوا بسفينة مسافرين فيها من قرية واحدة ، وخطبهم أحدهم ، ولم يصلوا القرية حتى فرغ من الخطبتين استأنفها وهذه الشروط ( للقدر الواجب ) من الخطبتين ، وهو أركان كل منهما وهو الحمد والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقراءة آية ، والوصية بتقوى الله فإن انفضوا عن الخطيب ، ثم عادوا قريبا ولم يفتهم شيء من الأركان ، لم يضر .

و ( لا ) يشترط للخطبتين ( الطهارتان ) من الحدث والجنابة فتصح خطبة جنب كأذانه وتحريم لبثه بالمسجد لا تعلق له بواجب العبادة كصلاة من معه درهم غصب .

( و ) لا يشترط أيضا ( ستر العورة و ) لا ( إزالة النجاسة ) كطهارة الحدث وأولى ( ولا ) يشترط أيضا ( أن يتولاهما واحد ) فلو خطب واحد الأولى وآخر الثانية .

أجزأتا كالأذان والإقامة ( و ) لا أن يتولاهما ( من يتولى الصلاة ) لأن كلا منهما عبادة بمفردها ، ( ولا ) يشترط أيضا ( حضور متولي الصلاة الخطبة ) فتصح إمامة من لم يحضر الخطبة بهم ، حيث كان من أهل وجوبها ( ويبطلها ) أي الخطبة ( كلام محرم ) في أثنائها ( ولو يسيرا ) كأذان وأولى ( وهي ) أي الخطبة ( بغير العربية ) مع القدرة ( كقراءة ) فلا تجوز

وتصح مع العجز غير القراءة فإن عجز عنها وجب بدلها ذكر . ( وسن أن يخطب على منبر ) لأنه صلى الله عليه وسلم أمر به فعمل له من أثل الغابة فكان يرتقي عليه وكان ثلاث درج ، وسمي منبرا لارتفاعه والنبر الارتفاع واتخاذه سنة مجمع عليها قاله في شرح مسلم ( أو ) على ( موضع عال ) إن عدم المنبر لأنه في معناه

ويكونان ( عن يمين مستقبلي القبلة ) كما كان منبره صلى الله عليه وسلم ( وإن وقف ) الخطيب ( بالأرض فعن يسارهم ) أي مستقبلي [ ص: 317 ] القبلة . ( و ) سن ( سلامه ) أي الإمام ( إذا خرج ) إلى المأمومين .

( و ) سلامه أيضا ( إذا أقبل عليهم ) بوجهه لما روى ابن ماجه عن جابر قال { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم } ورواه الأثرم عن أبي بكر ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير وكسلامه على من عنده في خروجه .

( و ) سن أيضا ( جلوسه ) أي الخطيب ( حتى ) يؤذن " لحديث ابن عمر { كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب } رواه أبو داود مختصرا .

( و ) سن جلوسه أيضا ( بينهما ) أي الخطبتين ( قليلا ) لقول ابن عمر { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس } متفق عليه قال في التلخيص : بقدر سورة الإخلاص ( فإن أبى ) أن يجلس بينهما فصل بسكتة ( أو خطب جالسا فصل ) بين الخطبتين ( بسكتة ) ليحصل التمييز ، وعلم منه : أن الجلوس بينهما غير واجب ;

لأن جماعة من الصحابة ، منهم علي : سرد الخطبتين من غير جلوس ( و ) يسن أيضا ( أن يخطب قائما ) نصا لما سبق ولم يجب كالأذان والاستقبال ( معتمدا على سيف أو قوس أو عصا ) لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود ، ولأنه أمكن له ، وإشارة إلى أن هذا الدين فتح به ويكون ذلك بيده اليسرى والأخرى بحرف المنبر ذكره في الفروع توجيها فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما ( قاصدا تلقاءه ) أي تلقاء وجهه لفعله صلى الله عليه وسلم ولأنه أقرب إلى إسماعهم كلهم ويكون متعظا بما يعظ به ويستقبل الناس وينحرفون إليه فيستقبلونه ويتربعون وإن استدبرهم فيها كره وصحت .

( و ) سن ( قصرهما ) أي الخطبتين ( و ) كون ( الثانية أقصر ) من الأولى لحديث { إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة } ( و ) يسن له ( رفع صوته حسب طاقته ) لأنه أبلغ في الإعلام .

( و ) سن له ( الدعاء للمسلمين ) لأنه صلى الله عليه وسلم { كان إذا خطب يوم الجمعة دعا وأشار بإصبعه وأمن الناس } رواه حرب في مسائله ( ويباح ) دعاؤه ( لمعين ) لما روي " أن أبا موسى كان يدعو في خطبته لعمر " ( و ) يباح ( أن يخطب من صحيفة ) كقراءة في الصلاة من مصحف .

التالي السابق


الخدمات العلمية