صفحة جزء
( وفروضه ) أي : الوضوء ، جمع فرض . وهو ما يترتب الثواب على فعله والعقاب على تركه . ستة أشياء :

أحدها : ( غسل الوجه ) لقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } ( ومنه ) أي : الوجه ( فم وأنف ) لدخولهما في حده .

وكونهما في حكم الظاهر ، بدليل غسلهما من النجاسة ، وفطر الصائم بعود القيء بعد وصوله إليهما . وأنه لا يفطر بوصول شيء إليهما .

( و ) الثاني ( غسل اليدين مع المرفقين ) لقوله تعالى : [ ص: 50 ] { وأيديكم إلى المرافق } وكلمة " إلى " تستعمل بمعنى " مع " كقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم } وفعله أيضا صلى الله عليه وسلم يبينه .

وقد روى الدارقطني عن جابر قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه } .

( و ) الثالث ( مسح الرأس كله ) لقوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } والباء فيه للإلصاق فكأنه قال : امسحوا رءوسكم .

قال ابن برهان : من زعم أن الباء للتبعيض ، فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه لأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم " ذكروا { أنه مسح رأسه كله } .

وما روي عنه صلى الله عليه وسلم { أنه مسح مقدم رأسه } فمحمول على أن ذلك مع العمامة ، كما جاء مفسرا في حديث المغيرة بن شعبة ، ونحن نقول به . وعفا في المبهج والمترجم عن يسيره للمشقة ، وصوبه في الإنصاف .

قال الزركشي : وظاهر كلام الأكثرين بخلافه ( ومنه ) أي : الرأس ( الأذنان ) لحديث ابن ماجه وغيره من غير وجه مرفوعا { الأذنان من الرأس } فيجب مسحهما .

( و ) الرابع ( غسل الرجلين مع الكعبين ) لقوله تعالى : { وأرجلكم إلى الكعبين } والكلام هنا في الكعبين ، كالكلام السابق في المرفقين .

( و ) الخامس ( الترتيب ) بين الأعضاء .

كما ذكر الله تعالى ; لأنه أدخل ممسوحا بين مغسولين ، وقطع النظير عن نظيره ، وهذا قرينة إرادة الترتيب . وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا وقال : { هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به } أي بمثله . وما روي عن علي { ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت } .

قال أحمد : إنما عنى به اليسرى قبل اليمنى ; لأن مخرجهما في الكتاب واحد . وروى أحمد بإسناده " أن عليا سئل ، فقيل له : أحدنا يستعجل ، فيغسل شيئا قبل شيء ؟ فقال : لا ، حتى يكون كما أمر الله تعالى " وما روي عن ابن مسعود " لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك في الوضوء " فلا يعرف له أصل .

والواجب الترتيب ، لا عدم التنكيس ، فلو وضأه أربعة في حالة واحدة لم يجزئه . ولو انغمس في ماء راكد أو جار ، ينوي به رفع الحدث لم يرتفع حدثه ، حتى يخرج مرتبا ، مع مسح رأسه في محله ، على ما تقدم : أن الجاري ، كالراكد ، خلافا لما ذكره جمع هنا . وإن نكس وضوءه لم يحتسب بما غسله قبل وجهه . وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوءه إذا كان متقاربا يحصل له من كل وضوء : غسل عضو .

( و ) السادس ( الموالاة ) لحديث خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 51 ] { رأى رجلا يصلي ، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء ، فأمره أن يعيد الوضوء } رواه أحمد وأبو داود ، وزاد " والصلاة " وفي إسناده : بقية ، وهو اسم رجل ثقة ، روى له مسلم .

ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط . ولأن الوضوء عبادة يفسدها الحدث . فاشترطت لها الموالاة كالصلاة . ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ إلا متواليا . ولم يشترط في الغسل ترتيب ولا موالاة ; لأن المغسول فيه بمنزلة عضو واحد ( ويسقطان ) أي : الترتيب والموالاة ( مع غسل ) عن حدث أكبر ، لاندراج الوضوء فيه ، كاندراج العمرة في الحج .

( وهي ) أي : الموالاة ( أن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف ما ) أي : العضو ( قبله ) أو بقية عضو حتى يجف أوله ( بزمن معتدل أو قدره ) أي : قدر الزمن المعتدل ( من غيره ) أي : غير المعتدل ، بأن كان حارا أو باردا ( ويضر ) أي : تفوت الموالاة ( إن جف ) عضو أو بعضه قبل غسل ما بعده ، أو بقيته ( لاشتغال بتحصيل ماء ) يتمم به وضوءه ( أو جف ) ذلك ( لإسراف أو إزالة نجاسة ) ليست بمحل التطهير .

( أو ) إزالة ( وسخ ونحوه ) كجبيرة حلها ( لغير طهارة ) بأن كان ذلك في غير أعضاء الوضوء ، فإن كان فيها لم يؤثر ; لأنه إذن من أفعال الطهارة ، و ( لا ) يضر اشتغاله ( بسنة ) من سنن الوضوء ، ( كتخليل ) لحية وأصابع ( وإسباغ ) الماء أي : إبلاغه مواضعه من الأعضاء بأن يؤتي كل عضو حقه ( وإزالة شك ) بأن يكرر غسل عضو حتى يعلم أنه استكمل غسله ( أو ) إزالة ( وسوسة ) ; لأنها شك في الجملة ، ولما أنهى الكلام على فروض الوضوء شرع في شروطه ، جامعا بينه وبين الغسل اختصارا ، لاشتراكهما في أكثرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية