صفحة جزء
فصل وصفة الوضوء أي كيفيته الكاملة ( أن ينوي ) رفع الحدث أو استباحة نحو صلاة أو الوضوء لها ( ثم يسمي ) فيقول : بسم الله ، لما تقدم ( ويغسل كفيه ثلاثا ) لما سبق ( ثم يتمضمض ثم يستنشق ثلاثا ثلاثا ) إن شاء من ست وإن شاء من ثلاث ( و ) كونهما ( من غرفة ) واحدة ( أفضل ) نص عليه في رواية الأثرم ، لحديث علي " أنه توضأ ، فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا بكف واحدة وقال : هذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم " رواه أحمد .

ويشهد للثلاث حديث علي أيضا " أنه تمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات " متفق عليه ، ويشهد للست حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قال { : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق } رواه أبو داود ووضوءه كان ثلاثا ثلاثا فلزم كونهما من ست .

( ويصح أن يسميا ) أي المضمضة والاستنشاق ( فرضين ) إذ الفرض والواجب واحد ، وهما واجبان في الوضوء والغسل لما تقدم أول الباب ، ولحديث عائشة مرفوعا { المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه } رواه أبو بكر في الشافي .

ولحديث أبي هريرة { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق } . وفي حديث لقيط بن صبرة " إذا توضأت فتمضمض " أخرجهما الدارقطني ، ولأن الذين وصفوا وضوءه عليه الصلاة والسلام ذكروا أنه تمضمض واستنشق ، ومداومته عليهما تدل على وجوبهما ، لأن فعله يصلح لأن يكون بيانا لأمره تعالى .

( ثم ) يغسل ( وجهه ) [ ص: 56 ] ثلاثا وحده ( من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا ) فلا عبرة ( بالأفرع ) - بالفاء - الذي نبت شعره في بعض جبهته ، ولا ( بالأجلح ) الذي انحسر شعره عن مقدم رأسه ( إلى النازل من اللحيين ) بفتح اللام وكسرها ، وهما عظمان في أسفل الوجه قد اكتنفاه .

( والذقن ) مجمع اللحية ( طولا ) نصب على التمييز ، فيجب غسل ذلك ( مع مسترسل ) شعر ( اللحية ) بكسر اللام طولا ، وما خرج عن حد الوجه عرضا ، لأن اللحية تشارك الوجه في معنى التوجه والمواجهة بخلاف ما نزل من الرأس عنه ، لأنه لا يشارك الرأس في الترؤس ( و ) حد الوجه ( من الأذن إلى الأذن عرضا ) أي ما بين الأذنين ، فهما ليسا منه .

وأما إضافتهما إليه في قوله صلى الله عليه وسلم { سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره } رواه مسلم فللمجاورة . ولم ينقل عن أحد ممن يعتد به أنه غسلهما مع الوجه ( فيدخل ) فيه ( عذار وهو شعر نابت على عظم ناتئ يسامت ) أي يحاذي ( صماخ ) بكسر الصاد ( الأذن ) أي خرقها ( و ) يدخل فيه أيضا ( عارض و ) وهو ( ما تحته ) أي العذار ( إلى ذقن ) وهو ما نبت على الخد واللحيين .

قال الأصمعي : ما جاوزته الأذن عارض و ( لا ) يدخل فيه ( صدغ ) بضم الصاد ( وهو ما فوق العذار ، يحاذي رأس الأذن وينزل عنه قليلا ) بل هو من الرأس ، لأن في حديث الربيع { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة } رواه أبو داود ، ولم ينقل أحد أنه غسله مع الوجه .

( ولا ) يدخل ( ( تحذيف ) ، وهو ) الشعر ( الخارج إلى طرفي الجبين من جانبي الوجه بين النزعة ) بفتح الزاي ، وقد تسكن ( ومنتهى العذار ) لأنه شعر متصل بشعر الرأس . لم يخرج عن حده أشبه الصدغ ( ولا ) يدخل في الوجه أيضا ( ( النزعتان ) وهما ما انحسر عنه الشعر من جانبي الرأس ) أي جانبي مقدمه . لأنه لا تحصل بهما المواجهة . ولدخول ذلك في الرأس . لأنه ما ترأس وعلا .

والإضافة إلى الوجه في قول الشاعر

فلا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا

للمجاورة " تتمة " يستحب تعاهد المفصل بالغسل . وهو ما بين اللحية والأذن نصا ( ولا يجزئ غسل ظاهر شعر ) في الوجه يصف البشرة ، لأنها ظاهرة تحصل بها المواجهة فوجب غسلها كالتي لا شعر فيها ، ووجب غسل الشعر معها ، لأنه في محل الفرض [ ص: 57 ] فتبعها ( إلا أن ) يكون الشعر كثيفا ( لا يصف البشرة ) فيجزئه غسل ظاهره ، لحصول المواجهة به دون البشرة تحته ، فتعلق الحكم به ( ويسن تخليله ) لما تقدم في السنن .

فإن كان بعض شعره كثيفا وبعضه خفيفا فلكل حكمه .

وفي الرعاية : يكره غسل باطنها ، وصححه في الإنصاف وتبعه في الإقناع و ( لا ) يسن ( غسل داخل عين ) في وضوء ولا غسل بل يكره ، لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم فعله ، ولا الأمر به ، ولا يجب غسله ( من نجاسة ولو أمن الضرر ) فيعفى عن نجاسة بعين ، ويأتي ، ويستحب تكثير ماء الوجه ، لأن فيه ( غضونا ) ، جمع غضن وهو التثني ودواخل وخوارج ، ليصل الماء إلى جميعه .

وفي حديث أبي أمامة مرفوعا ( وكان يتعهد الماقين ) رواه أحمد . وهما تثنية الماق ، مجرى الدمع من العين .

( ثم ) بعد غسل وجهه يغسل ( يديه مع مرفقيه ) ثلاثا لما تقدم ( و ) مع ( أصبع زائدة و ) مع ( يد أصلها بمحل الفرض ) لأنه متصل بمحل الفرض . أشبه الثؤلول ( أو ) يد أصلها ( بغيره ) أي بغير محل الفرض ، بأن تدلى ، له ذراعان بيدين من العضد ( ولم تتميز ) الزائدة منهما فيغسلهما ليخرج من الوجوه بيقين .

كما لو تنجست إحدى يديه وجهلها ( و ) مع ( أظفاره ) ولو طالت لأنها متصلة بيده خلقة فدخلت في مسمى اليد ( ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه ) كداخل أنف ( يمنع وصول الماء ) لأنه مما يكثر وقوعه عادة ، فلو لم يصح الوضوء معه لبينه صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وألحق الشيخ تقي الدين به كل يسير منع حيث كان بالبدن ، كدم وعجين ونحوهما ، واختاره .

وإن تقلصت جلدة من الذراع وتدلت من العضد لم يجب غسلها لأنها صارت في غير محل الفرض ، وبالعكس يجب غسلها ; لأنها صارت في محل الفرض ، وإن تقلصت من أحد المحلين والتحم رأسها بالآخر وجب غسل ما حاذى محل الفرض من ظاهرها وباطنها وما تحتها ، دون ما لم يحاذه وعلم من كلامه أنه لو كانت له يد زائدة أصلها بغير محل الفرض ، وتميزت ، لم يجب غسلها قصيرة كانت أو طويلة .

( ومن خلق بلا مرفق غسل إلى قدره ) أي المرفق ( في غالب الناس ) إلحاقا للنادر بالغالب ( ثم يمسح جميع ظاهر رأسه ) بالماء ، فلو مسح البشرة لم يجزئه ، كما لو غسل باطن اللحية ، ولو حلق البعض ، فنزل عليه شعر ما لم يحلق ، أجزأه المسح عليه وإن مسح على معقوص بمحل الفرض ولولا العقص لنزل [ ص: 58 ] رجليه ، ويغسلهما باليسرى ندبا والأولى ترك الكلام على الوضوء .

وظاهر كلام الأكثر : لا يكره السلام على المتوضئ ولا رده ( والأقطع من مفصل مرفق ) المفصل بفتح الميم وكسر الصاد وأما بالعكس فهو اللسان ، والمرفق بكسر الميم وفتح الفاء ويجوز فتح الميم وكسر الفاء ( و ) من مفصل ( كعب ، يغسل طرف عضد و ) طرف ( ساق ) وجوبا لأنه في محل الفرض .

( و ) الأقطع ( من دونهما ) أي دون مفصل مرفق وكعب يغسل ما بقي من محل فرض لقوله صلى الله عليه وسلم { : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } " متفق عليه .

وعلم منه أن الأقطع من فوق مفصل مرفق وكعب لا غسل عليه ، لكن يستحب له مسح محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو عن طهارة ( وكذا ) أي كالوضوء في ذلك ( تيمم ) فالأقطع من مفصل كف ، يمسح محل قطع بالتراب ، وإن كان من دونه مسح ما بقي من محل الفرض ومن فوقه يستحب له مسح محل قطع بتراب خلافا للقاضي وإن وجد أقطع ونحوه من يوضئه بأجرة مثل ، وقدر عليها بلا ضرر ; لزمه ، فإن لم يجده ووجد من ييممه لزمه ، وإن لم يجد صلى على حسب حاله ، ولا إعادة عليه ، واستنجاء مثله ، وإن تبرع بتطهيره لزمه ذلك .

( وسن لمن فرغ ) من وضوء قال في الفائق : وكذا غسل ( رفع بصره إلى السماء وقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) لحديث عمر مرفوعا { ما منكم من أحد يتوضأ ، فيبلغ ، أو يسبغ الوضوء ، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ; إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء } رواه مسلم والترمذي وزاد " اللهم اجعلني من عبادك التوابين . واجعلني من المتطهرين " رواه أحمد وأبو داود .

وفي بعض رواياته ( فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء ) وساق الحديث زاد في الإقناع " سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك " لحديث النسائي عن أبي سعيد ( ويباح ) للمتوضئ ( تنشيف ) لحديث سلمان { أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ، ثم قلب جبة كانت عليه . فمسح بها وجهه } رواه ابن ماجه والطبراني في المعجم الصغير .

وتركه له صلى الله عليه وسلم في حديث ميمونة لما أتته بالمنديل ، بعد أن اغتسل : لا يدل على الكراهة ; لأنه قد يترك المباح ، مع أن هذه قضية عين ، يحتمل أنه ترك تلك المنديل لأمر يختص [ ص: 59 ] عنه ، لم يجزئه ، لعروض العقص ذكره المجد ، وكذا لو مسح على مخضوب بما يمنع وصول الماء إليه وحد الرأس ( من حد الوجه ) أي من منابت شعر الرأس المعتاد غالبا ( إلى ما يسمى قفا ) بالقصر وهو مؤخر العنق .

( والبياض فوق الأذنين منه ) أي الرأس ، فيجب مسحه ، وذكر بعضهم أنه ليس من الرأس إجماعا ( يمر يديه من مقدمه ) أي الرأس ( إلى قفاه ثم يردهما ) إلى مقدمه ، لحديث عبد الله بن زيد { إن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر . بدأ بمقدم رأسه ، ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه } رواه الجماعة .

فظاهره لا فرق بين من خاف انتشار شعره وغيره ومشى عليه في الإقناع وغيره ( ثم ) يأخذ ماء جديدا لأذنيه و ( يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ) لما في النسائي عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ، باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه } قال في الشرح : ولا يجب مسح ما استتر بالغضاريف ، لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر ، فالأذن أولى .

( ويجزئ المسح ) للرأس والأذن ( كيف مسح و ) يجزئ المسح أيضا ( بحائل ) كخرقة وخشبة مبلولتين ، لعموم قوله تعالى : { وامسحوا برءوسكم } ولا يجزئ وضع يده أو نحو خرقة مبلولة على رأسه ، أو بل خرقة عليها من غير مسح .

( و ) يجزئ ( غسل ) رأسه ، زاد في الرعاية والقواعد الفقهية والإقناع : ويكره مع إمرار يده عليه ، لحديث معاوية " أنه { توضأ للناس كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ . فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله ، حتى وضعها على وسط رأسه ، حتى قطر الماء أو كاد يقطر ، ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره ، ومن مؤخره إلى مقدمه } رواه أبو داود .

فإن لم يمر يده لم يجزئه لعدم المسح ( أو ) أي ويجزئ ( إصابة ماء ) رأسه من نحو مطر ( مع إمرار يده ) لوجود المسح بماء طهور فإن لم يمرها لم يجزئه ، والأذنان في ذلك كالرأس ، ولا يستحب تكرار مسح ولا مسح عنق ( ثم يغسل رجليه مع كعبيه ) ثلاثا ( وهما العظمان الناتئان ) في أسفل الساق من جانبي القدم .

قال أبو عبيد : الكعب هو الذي في أصل القدم منتهى الساق ، بمنزلة كعاب القنا ، وقوله تعالى { : إلى الكعبين } حجة لذلك أي كل رجل تغسل إلى الكعبين ، ولو أراد جمع أرجل لذكره بلفظ الجمع ، كما قال : " المرافق " ويصب الماء بيمنى يديه على كلتا [ ص: 60 ] بها ، ويكره نفض يده لا نفض الماء بيده عن بدنه .

لحديث ميمونة ( و ) يباح ( معين ) لمتوضئ لحديث المغيرة بن شعبة " أنه { أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم من وضوئه } رواه مسلم ( وسن كونه ) أي المعين ( عن يساره ) أي المتوضئ ، ليسهل تناول الماء عند الصب ( كإناء وضوء ضيق الرأس ) فيجعله على يساره ، ليصب منه به على يمينه ( وإلا ) يكن الإناء ضيق الرأس ، بل كان واسعا ( ف ) يجعله ( عن يمينه ) ليغترف منه بها ( ومن وضئ أو غسل أو يمم ) ببناء الثلاثة للمفعول ( بإذنه ) أي المفعول به ( ونواه ) أي المفعول به : الوضوء أو الغسل أو التيمم ( صح ) وضوءه أو غسله ، أو تيممه قال المجد : وكره انتهى . مسلما كان الفاعل ، أو كافرا لوجود النية والغسل المأمور به .

و ( لا ) يصح وضوءه أو غسله أو تيممه ( إن أكره فاعل ) أي موضئ أو مغسل أو ميمم لغيره ، أو صاب للماء ، وقواعد المذهب تقتضي الصحة إذا أكره الصاب ، لأن الصب ليس بركن ولا شرط ، فيشبه الاغتراف بإناء محرم . وإن أكره المتوضئ ونحوه على وضوء ، أو عبادة لفعلها ، فإن كان لداعي الشرع ، لا لداعي الإكراه صحت ، وإلا فلا ، ومفهوم كلامه : أنه لو وضئ بغير إذنه ; لم يصح . ولو نواه مفعول به لعدم الفعل منه أصالة ونيابة ولم أقف على من صرح به .

التالي السابق


الخدمات العلمية