صفحة جزء
[ ص: 3853 ] (83) سورة المطففين مكية

وآياتها ست وثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

ويل للمطففين (1) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون (2) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (3) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون (4) ليوم عظيم (5) يوم يقوم الناس لرب العالمين (6) كلا إن كتاب الفجار لفي سجين (7) وما أدراك ما سجين (8) كتاب مرقوم (9) ويل يومئذ للمكذبين (10) الذين يكذبون بيوم الدين (11) وما يكذب به إلا كل معتد أثيم (12) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين (13) كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (14) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون (15) ثم إنهم لصالو الجحيم (16) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون (17) كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين (18) وما أدراك ما عليون (19) كتاب مرقوم (20) يشهده المقربون (21) إن الأبرار لفي نعيم (22) على الأرائك ينظرون (23) تعرف في وجوههم نضرة النعيم (24) يسقون من رحيق مختوم (25) ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون (26) ومزاجه من تسنيم (27) عينا يشرب بها المقربون (28) إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون (29) وإذا مروا بهم يتغامزون (30) وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين (31) وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون (32) وما أرسلوا عليهم حافظين (33) فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون (34) على الأرائك ينظرون (35) هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون (36)

[ ص: 3854 ] هذه السورة تصور قطاعا من الواقع العملي الذي كانت الدعوة تواجهه في مكة - إلى جانب ما كانت تستهدفه من إيقاظ القلوب، وهز المشاعر، وتوجيهها إلى هذا الحدث الجديد في .حياة العرب وفي حياة الإنسانية، وهو الرسالة السماوية للأرض، وما تتضمنه من تصور جديد شامل محيط.

هذا القطاع من الواقع العملي تصوره السورة في أولها، وهي تتهدد المطففين بالويل في اليوم العظيم،يوم يقوم الناس لرب العالمين .. كما تصوره في ختامها وهي تصف سوء أدب الذين أجرموا مع الذين آمنوا، وتغامزهم عليهم، وضحكهم منهم، وقولهم عنهم: إن هؤلاء لضالون! .

وهذا إلى جانب ما تعرضه من حال الفجار وحال الأبرار; ومصير هؤلاء وهؤلاء في ذلك اليوم العظيم.

وهي تتألف من أربعة مقاطع.. يبدأ المقطع الأول منها بإعلان الحرب على المطففين: ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ ..

ويتحدث المقطع الثاني عن الفجار في شدة وردع وزجر، وتهديد بالويل والهلاك، ودمغ بالإثم والاعتداء، وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس، وتصوير لجزائهم يوم القيامة، وعذابهم بالحجاب عن ربهم، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم، ثم بالجحيم مع الترذيل والتأنيب: كلا. إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين؟ كتاب مرقوم. ويل يومئذ للمكذبين! الذين يكذبون بيوم الدين. وما يكذب به إلا كل معتد أثيم، إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين. كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ثم إنهم لصالو الجحيم. ثم يقال: هذا الذي كنتم به تكذبون ..

والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة. صفحة الأبرار. ورفعة مقامهم. والنعيم المقرر لهم. ونضرته التي تفيض على وجوههم. والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون.. وهي صفحة ناعمة وضيئة: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين. وما أدراك ما عليون؟ كتاب مرقوم، يشهده المقربون. إن الأبرار لفي نعيم، على الأرائك ينظرون، تعرف في وجوههم نضرة النعيم، يسقون من رحيق مختوم، ختامه مسك - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون - ومزاجه من تسنيم. عينا يشرب بها المقربون ..

والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب. ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل:

إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا: إن هؤلاء لضالون. وما أرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون. هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون؟ ..

والسورة في عمومها تمثل جانبا من بيئة الدعوة، كما تمثل جانبا من أسلوب الدعوة في مواجهة واقع البيئة، وواقع النفس البشرية ... وهذا ما سنحاول الكشف عنه في عرضنا للسورة بالتفصيل..

ويل للمطففين: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم: يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ ..

تبدأ السورة بالحرب يعلنها الله على المطففين: ويل للمطففين .. والويل: الهلاك. وسواء كان المراد هو تقرير أن هذا أمر مقضي، أو أن هذا دعاء . فهو في الحالين واحد فالدعاء من الله قرار..

التالي السابق


الخدمات العلمية