صفحة جزء
وقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر يعتوره معان ، منها : من كان شاهدا يعني مقيما غير مسافر ، كما يقال للشاهد ، والغائب المقيم والمسافر ، فكان لزوم الصوم مخصوصا به المقيمون دون المسافرين .

ثم لو اقتصر على هذا لكان المفهوم منه الاقتصار بوجوب الصوم عليهم دون المسافرين ؛ إذ لم يذكروا ، فلا شيء عليهم من صوم ولا قضاء ، فلما قال تعالى : ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر بين حكم المريض والمسافر في إيجاب القضاء عليهم إذا أفطروا ، هذا إذا كان التأويل في قوله : فمن شهد منكم الشهر الإقامة في الحضر .

ويحتمل قوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه أن يكون بمعنى شاهد الشهر أي علمه ، ويحتمل قوله : فمن شهد منكم الشهر فمن شهده بالتكليف ؛ لأن المجنون ، ومن ليس من أهل التكليف في حكم من ليس بموجود في انتفاء لزوم الفرض عنه ، فأطلق اسم شهود الشهر عليهم ، وأراد به التكليف ، كما قال تعالى : صم بكم عمي لما كانوا في عدم الانتفاع بما سمعوا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع سماهم بكما عميا ، وكذلك قوله : إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب يعني عقلا ؛ لأن من لم ينتفع بعقله فكأنه لا قلب له ؛ إذ كان العقل بالقلب ؛ فكذلك جائز أن يكون جعل شهود الشهر عبارة عن كونه من أهل التكليف ؛ إذ كان من ليس من أهل التكليف بمنزلة من ليس بموجود فيه في باب سقوط حكمه عنه .

ومن الأحكام المستفادة بقوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه غير ما قدمنا ذكره تعيين فرض رمضان ، فإن المراد بشهود الشهر كونه فيه من أهل التكليف ، وأن المجنون ومن ليس من أهل التكليف غير لازم له صوم الشهر . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية