صفحة جزء
باب السفر يوم الجمعة قال أصحابنا : " لا بأس به قبل الزوال وبعده إذا كان يخرج من مصره قبل خروج وقت الظهر " حكاه محمد في السير بلا خلاف ، وقال مالك : " لا أحب له أن يخرج بعد طلوع الفجر وليس بحرام ، وبعد الزوال لا ينبغي أن يسافر حتى يصلي الجمعة " وكان الأوزاعي والليث والشافعي يكرهون السفر يوم الجمعة حتى يصلي .

وروى حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله وجه ابن رواحة وجعفرا وزيد بن حارثة ، فتخلف ابن رواحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما خلفك ؟ قال : الجمعة يا رسول الله أجمع ثم أروح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، قال : فراح منطلقا وروى سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : " لا تحبس الجمعة عن سفر " ، ولا نعرف أحدا من الصحابة خالفه ، وروى يحيى بن سعيد عن نافع أن ابنا لعبد الله بن عمر كان بالعقيق على رأس أميال من المدينة ، [ ص: 343 ] فأتى ابن عمر غداة الجمعة فأخبر بشكواه ، فانطلق إليه وترك الجمعة وقال عبيد الله بن عمر : خرج سالم من مكة يوم الجمعة وروي عن عطاء والقاسم بن محمد أنهما كرها أن يخرج يوم الجمعة في صدر النهار وعن الحسن وابن سيرين قالا : " لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم تحضر الجمعة " وروى إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن النخعي قال : " إذا أراد الرجل السفر يوم الخميس فليسافر غدوة إلى أن يرتفع النهار فإن أقام إلى العشي فلا يخرج حتى يصلي الجمعة " وروي عن عطاء عن عائشة قالت : " إذا أدركتك ليلة الجمعة فلا تخرج حتى تجمع " فهذا مذهب عائشة وإبراهيم ، قال الله تعالى : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها فأباح السفر في سائر الأوقات ولم يخصصه بوقت دون وقت .

فإن قيل : هذا واضح في ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة قبل الزوال وإباحة السفر فيهما ، والواجب أن يكون منهيا عنه بعد الزوال ؛ لأنه قد صار من أهل الخطاب بحضورها لقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع قيل له : لا خلاف أن الخطاب بذلك لم يتوجه إلى المسافرين ، وفرض الصلاة عندنا يتعلق بآخر الوقت ، فإذا خرج وصار مسافرا في آخر الوقت علمنا أنه لم يكن من أهل الخطاب بفعل الجمعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية