صفحة جزء
وقوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله يوجب فرض قتال الكفار حتى يتركوا الكفر قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع بن أنس : " الفتنة هاهنا الشرك " . وقيل : إنما سمي الكفر فتنة ؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك كما يؤدي إليه الفتنة . وقيل : إن الفتنة هي الاختبار ، والكفر عند الاختبار إظهار الفساد ، وأما الدين فهو الانقياد لله بالطاعة ، وأصله في اللغة ينقسم إلى معنيين : أحدهما : الانقياد ، كقول الأعشى :

هو دان الرباب إذكر هو الدين دراكا بغزوة وصيال     ثم دانت بعد الرباب وكانت
كعذاب عقوبة الأقوال

والآخر : العادة ، من قول الشاعر :

تقول وقد درأت لها وضيني     أهذا دينه أبدا وديني

والدين الشرعي هو الانقياد لله عز وجل والاستسلام له على وجه المداومة والعادة .

وهذه الآية خاصة في المشركين دون أهل الكتاب ؛ لأن ابتداء الخطاب جرى بذكرهم [ ص: 325 ] في قوله عز وجل : واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم وذلك صفة مشركي أهل مكة الذين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلم يدخل أهل الكتاب في هذا الحكم ؛ وهذا يدل على أن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف ، لقوله : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة يعني كفرا ويكون الدين لله ودين الله هو الإسلام ؛ لقوله : إن الدين عند الله الإسلام وقوله : فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين المعنى : فلا قتل إلا على الظالمين . يعني والله أعلم : القتل المبدوء بذكره في قوله : وقاتلوهم وسمى القتل الذي يستحقونه بكفرهم عدوانا ؛ لأنه جزاء الظلم فسمي باسمه ، كقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وإن لم يكن الجزاء اعتداء ولا سيئة .

التالي السابق


الخدمات العلمية