صفحة جزء
قوله تعالى : الحج أشهر معلومات قال أبو بكر : قد اختلف السلف في أشهر الحج ما هي ، فروي عن ابن عباس وابن عمر والحسن وعطاء ومجاهد : " أنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وروي عن عبد الله بن مسعود : " أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة " .

وروي عن ابن عباس وابن عمر في رواية أخرى مثله ، وكذلك روي عن عطاء ومجاهد . وقال قائلون : " وجائز أن لا يكون ذلك اختلافا في الحقيقة ، وأن يكون مراد من قال وذو الحجة أنه بعضه ؛ لأن الحج لا محالة إنما هو في بعض الأشهر لا في جميعها ؛ لأنه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام منى شيء من مناسك الحج " .

وقالوا : " ويحتمل أن يكون من تأوله على ذي الحجة كله مراده أنها لما كانت هذه أشهر الحج كان الاختيار عنده فعل العمرة في غيرها " كما روي عن عمر وغيره من الصحابة استحبابهم لفعل العمرة في غير أشهر الحج على ما قدمنا . وحكى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف قال شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ؛ لأن من لم يدرك الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فحجه فائت " .

ولا تنازع بين أهل اللغة في تجويز إرادة الشهرين وبعض الثالث ، بقوله : أشهر معلومات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أيام منى ثلاثة وإنما هي يومان وبعض الثالث ويقولون : " حججت عام كذا " وإنما الحج في بعضه ، " ولقيت فلانا سنة كذا " وإنما كان لقاؤه في بعضها ، و " كلمته يوم الجمعة " والمراد البعض وذلك من مفهوم الخطاب إذا تعذر استغراق الفعل للوقت كان المعقول منه البعض . قال أبو بكر : ولقول من قال إنها شوال وذو القعدة وذو الحجة وجه آخر ، وهو شائع مستقيم ، وهو ينتظم القولين من المختلفين في معنى الأشهر المعلومات ؛ وهو أن أهل الجاهلية قد كانوا ينسئون الشهور فيجعلون صفرا المحرم ويستحلون المحرم على حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون فيها القتال ، فأبطل الله تعالى النسيء وأقر وقت الحج على ما كان ابتداؤه عليه يوم خلق السموات ، كما قال صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم شوال وذو القعدة وذو الحجة ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .

قال الله تعالى : الحج أشهر معلومات [ ص: 374 ] يعني بها هذه الأشهر التي ثبت وقت الحج فيها دون ما كان أهل الجاهلية عليه من تبديل الشهور وتأخير الحج وتقديمه .

وقد كان وقت الحج معلقا عندهم وهذه الثلاثة التي يأمنون فيها واردين وصادرين ، فذكر الله هذه الأشهر وأخبرنا باستقرار أمر الحج وحظر بذلك تغييرها وتبديلها إلى غيرها . وفيه وجه آخر : وهو أن الله لما قدم ذكر التمتع بالعمرة إلى الحج ورخص فيه وأبطل به ما كانت العرب تعتقده من حظر العمرة في هذه الأشهر ، قال : الحج أشهر معلومات فأفاد بذلك أن الأشهر التي يصح فيها التمتع بالعمرة إلى الحج وثبت حكمه فيها هذه الأشهر ، وأن من اعتمر في غيرها ثم حج لم يكن له حكم التمتع ؛ والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية