صفحة جزء
وقوله تعالى : يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام قد تضمنت هذه الآية تحريم القتال في الشهر الحرام ، ونظيره في الدلالة على مثله قوله : الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وقوله : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم

وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن الليث بن سعد قال : حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى ، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ .

وقد اختلف في نسخ ذلك ، فقالت طائفة : حكمه باق لم ينسخ ؛ وممن قال ذلك عطاء بن أبي رباح ، حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما لهم إن ذلك لم يكن يحل لهم أن يغزوا في الشهر الحرام ثم غزوهم بعد فيه . قال : فحلف لي ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا ، قال : وما نسخت .

وروى سليمان بن يسار وسعيد بن المسيب : " أن القتال جائز في الشهر الحرام " وهو قول فقهاء الأمصار . والأول منسوخ بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية ؛ لأنها نزلت بعد حظر القتال في الشهر الحرام .

وقد اختلف في السائلين عن ذلك من هم ، فقال الحسن وغيره : " إن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام " . وقال آخرون : " المسلمون سألوا [ ص: 402 ] عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه " .

وقيل : إنها نزلت على سبب وهو قتل واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي مشركا ، فقال المشركون : قد استحل محمد القتال في الشهر الحرام ، وقد كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى بقاء حظر القتال في الشهر الحرام وأرى المشركين مناقضة بإقامتهم على الكفر مع استعظامهم القتل في الشهر الحرام ، مع أن الكفر أعظم الإجرام ومع إخراج أهل المسجد الحرام منه وهم المؤمنون ؛ لأنهم أولى بالمسجد الحرام من الكفار لقوله : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر فأعلمهم الله أن الكفر بالله وبالمسجد الحرام ، وهو أن الله جعل المسجد للمؤمنين ولعبادتهم إياه فيه ، فجعلوه لأوثانهم ومنعوا المسلمين منه ، فكان ذلك كفرا بالمسجد الحرام ، وأخرجوا أهله منه وهم المؤمنون ؛ لأنهم أولى به من الكفار ، فأعلمهم الله أن الكفار مع هذا الإجرام أولى بالعيب من قتل رجل من المشركين في الشهر الحرام .

والله سبحانه وتعالى أعلم .

تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله باب تحريم الخمر

التالي السابق


الخدمات العلمية