صفحة جزء
قوله (تعالى): إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح ؛ البشارة هي خبر على وصف؛ وهو في الأصل لما يسر؛ لظهور السرور في بشرة وجهه إذا [ ص: 295 ] بشر؛ والبشرة هي ظاهر الجلد؛ فأضافت الملائكة البشارة إلى الله (تعالى)؛ وكان الله (تعالى) هو مبشرها؛ وإن كانت الملائكة خاطبوها؛ وكذلك قال أصحابنا فيمن قال: "إن بشرت فلانا بقدوم فلان فعبدي حر"؛ فقدم وأرسل إليه رسولا يخبره بقدومه؛ فقال له الرسول: "إن فلانا يقول لك: قد قدم فلان"؛ أنه يحنث في يمينه; لأن المرسل هو المبشر؛ دون الرسول؛ ولأجل ما ذكرنا؛ من تضمن البشارة إحداث السرور؛ قال أصحابنا: إن المبشر هو المخبر الأول؛ وإن الثاني ليس بمبشر; لأنه لا يحدث بخبره سرور؛ وقد تطلق البشارة ويراد بها الخبر فحسب؛ كقوله (تعالى): فبشرهم بعذاب أليم .

قوله (تعالى): بكلمة منه ؛ قد قيل: فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها أنه لما خلقه الله (تعالى) من غير والد؛ كما قال الله (تعالى): خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ؛ فلما كان خلقه على هذا الوجه من غير والد؛ أطلق عليه اسم الكلمة؛ مجازا؛ كما قال: وكلمته ألقاها إلى مريم ؛ والوجه الثاني أنه لما بشر به في الكتب القديمة أطلق عليه الاسم؛ والوجه الثالث أن الله (تعالى) يهدي به كما يهدي بكلمته.

التالي السابق


الخدمات العلمية