صفحة جزء
قوله (تعالى): قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ؛ الآية؛ قوله (تعالى): كلمة سواء ؛ يعني - والله أعلم -: "كلمة عدل بيننا وبينكم؛ نتساوى جميعا فيها؛ إذ كنا جميعا عباد الله"؛ ثم فسرها بقوله (تعالى): ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ؛ وهذه هي [ ص: 297 ] الكلمة التي تشهد العقول بصحتها؛ إذ كان الناس كلهم عبيد الله ؛ لا يستحق بعضهم على بعض العبادة؛ ولا يجب على أحد منهم طاعة غيره؛ إلا فيما كان طاعة لله (تعالى)؛ وقد شرط الله (تعالى) في طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما كان منها معروفا؛ وإن كان الله (تعالى) قد علم أنه لا يأمر إلا بالمعروف؛ لئلا يترخص أحد في إلزام غيره طاعة نفسه؛ إلا بأمر الله (تعالى)؛ كما قال الله (تعالى) - مخاطبا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في قصة المبايعات -: ولا يعصينك في معروف فبايعهن ؛ فشرط عليهن ترك عصيان النبي - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي يأمرهن به؛ تأكيدا لئلا يلزم أحدا طاعة غيره؛ إلا بأمر الله (تعالى)؛ وما كان منه طاعة لله (تعالى).

وقوله (تعالى): ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ؛ أي: "لا يتبعه في تحليل شيء؛ ولا تحريمه؛ إلا فيما حلله الله (تعالى) أو حرمه؛ وهو نظير قوله (تعالى): اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ؛ وقد روى عبد السلام بن حرب؛ عن غطيف بن أعين؛ عن مصعب بن سعد ؛ عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب؛ فقال: "ألق هذا الوثن عنك"؛ ثم قرأ: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ؛ قلت: يا رسول الله; ما كنا نعبدهم؛ قال: "أليس كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيحلونه؛ ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه؟"؛ قال: "فتلك عبادتهم"؛ وإنما وصفهم الله (تعالى) بأنهم اتخذوهم أربابا لأنهم أنزلوهم منزلة ربهم وخالقهم في قبول تحريمهم وتحليلهم؛ لما لم يحرمه الله (تعالى) ولم يحلله؛ ولا يستحق أحد أن يطاع بمثله إلا الله (تعالى) الذي هو خالقهم؛ والمكلفون كلهم متساوون في لزوم عبادة الله (تعالى) واتباع أمره؛ وتوجيه العبادة إليه؛ دون غيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية